النسخة الإنجليزية
THE TAILOR OF MOGADOR
النسخة الفرنسية
Né à Mohammédia au Maroc en 1966, Mohamed Ali Lagouader est titulaire d'une licence en anglais en 1990 et d'un diplôme de traducteur en 1994. Il a travaillé ...
51,20 €
- يطُّو ، مَنبعُ البهجة (رواية)
- الفصل الثاني
- الفصل الثالث
- الفصل الرابع
- الفصل الخامس
- الفصل السادس
- الفصل السابع
- الفصل الثامن
النسخة الإنجليزية
YETTO
النسخة الفرنسية
Aperçu du livre. Très peu de gens l'ont vue. Pourtant, il n'y a pas un homme qui ne soit au courant de sa beauté, pour laquelle des prétendants ont proposé de l ...
27,69 €
- اقرأ هذا
- هذه مهمتي
- اقتل الذئب
- سأبيعك
- القلادة
- ابني مجنون
- من هي سلطانة ؟
- النسخة الإنجليزية
- THE POET
- قَلْبٌ لِلكِراءكان ينظر من أعلى الربوة الرملية إلى أمواج البحر الهادرة وإلى السفن والبواخر التي كانت تبدو وكأنها تتمايل وإلى الطيور البحرية الصغيرة منها والكبيرة والتي لا يَعرف أسماءها رغم أنه من أشد المدمنين على المطالعة. وفجأة ظهرت له من بعيد امرأة يبدو أنها في ريعان الشباب تتمشى على رِمال الشاطئ وكُلما اقتربت زاد اهتمامه بها. فلما رأى وجهها وهي تمر أسفل الربوة الرملية دون أن تلتفت إليه نسي كل شيء عن البحر وعن السفن وعن الطيور. بقي هناك ينظر إلى أن اختفت الشابة. أحس بالضعف وبالقهر. فهو إنما أتى إلى هنا، إلى شاطئ البحر، سيرا على الأقدام من جماعة قروية خارج المدينة، إلا لِينسى همومه وإحساسه هذا بالضعف اذي صار ينتابه منذ أن فشل في العثور على عمل بعد حصوله على الإجازة. ترشح لِمباراتين ولم ينجح. قَدَّمَ طلبات عمل لِكثير من المدارس و لم يقبله أحد بدعوى أنه لا تجربة له. مُرورُ هذه الشابة أمامه حَرَّك فيه كل الأحاسيس السلبية. وفي لحظة، ودون تفكير، قال في نفسه: سأتبعها. هو يعرف أنه لن ينال منها شيئا. ولكن الرغبة كانت أقوى منه. فنزل من أعلى الربوة وتتبع آثار نَعلي الشابة. قادته خُطاها إلى زُقاق داخل حي من أحياء الكابانوات. كان في الزقاق رمل وكانت آثار نعليها واضحة إلى أن وصلت أحد الكابانوهات. كانت النوافذ مغلقة. ولم يكن يُسمع صوت. الهدوء التام. وأمام المنزل رُكِنت سيارة فخمة، إلا أن المثير فيها هو أن الغُبار غَطى جميع نوافذها. تَعَجب سمير، وهذا اسمه، من كثرة الغُبار. لَمْ يُطِلِ الوقوف أمام ذلك البيت، لكنه ما أن ابتعد عنه قليلا حتى تذكر رنامجا إذاعيا قال فيه أحد المستمعين المتصلين إنه كان يعمل في فَرَّان بَلدي وكان يُحب فتاة تأتي دائما بِطَبق العجين، وفي يوم من الأيام كَتب عِبارة "أُحِبك" على إحدى الخُبزتين قَبْل أن يُدخلهما إلى الفُرن. فخطرت له هو أيضا فكرة: عاد أدراجه إلى حيث رُكِنت تلك السيارة الفخمة. وكَتَب بِأصبعه على النافذة المُغَبَّرة التي من ناحية المِقوَد: "قَلبٌ للكراء" كتبها بخط جميل بالعربية والفرنسية والإنجليزية، ثم أضاف رقم هاتفه واختفى.في صباح اليوم التالي، كان سمير في الحمام لَمَّا سمع هاتفه يَرن. فخرج بسرعة والبول يقطُر منه مخافة أن لا يُدرِك المكالمة إذ لم يَكن عنده رصيد. لم يَره أحد لما خرج. أمسك بالهاتف وأتاه صوت رَجل:- أَأَنتَ من ترك إعلانا عن قلبٍ للكراء؟- نعم، سيدي، أنا هو.- هل لي أن أسألك سؤالا؟- تفضل، سيدي.- أين تسكن؟- أسكن خارج المدينة، في أحد الدواوير.- أين بالضبط؟- أعيش مع والديَّ في دوار اسمه "ماعندناش ما خاصناش"- ضحك المتصل، ثم قال :- ما عملك؟- لقد حصلت على شهادة الإجازة قبل أربعة أشهر وما زلتُ أبحث عن عمل.- لا بأس. فهمت من إعلانك أنك تتحدث العربية والفرنسية والإنجليزية، أليس كذلك؟- بلى، سيدي.إذن، سأمتحنك. سأتحدث إليك الآن بالفرنسية والإنجليزية، وإذا اجتزتَ الإمتحان سأستأجرك لتعليم هاتين اللغتين لابنتي الصغرى في المزل. ما قولك؟أنا في الخدمة، سيدي.اجتاز سمير الإمتحان بنجاح. ودَعاه الرجل إلى تناول القهوة بمقهى شهير وسط المدينة. توقف سمير بباب المقهى ولم يَجرؤ على الدخول، لأن جيبه خاوٍ، وانتظر حتى رَبَّتَ شخص على كتفه وقال. هذا صاحب القلب النبيل، بدون شك؟
ما أن أخذا مقعديهما داخل المقهى حتى قال الرجل:
- تشرفت بمعرفتك. لكني أريد أن أعرف المزيد.
- قولك هذا، سيدي، ذَكَّرني بنكتة حَكَتها لي عمتي رحمها الله.
- احكها لي!
- كما تعلم، لم يكن الرجل يرى زوجته إلا في ليلة الدخلة قالت امرأة لزوجها: مِن عادتنا أن لا تَكشف المرأة عن وجهها حتى يُخبِرها زوجها بالأشخاص الذين يسمح لها بالظهور أمامهم دون سِواهم. فَأَخبِرني بمن تسمح لي بكشف وجهي أمامهم. قال: يا أَمَة الله، دَعينا نستمتع بليلتنا هاته و في الصباح يصبح ربي فتاح. لكنها ألحَّت إلحاحا شديدا، فما كان منه إلا أن غفلها وأزاح اللثام عن وجهها. فَصُدِمَ لِقُبح صورتها، وقال: اسمعي، سيدتي، أنا أسمح لك لك بالظهور أمام كل الناس إلا أنا !
ضحك الرجل، ثم قال:
- لن أدعك حتى تحكي لي نكتة أخرى!
- مَرَّ شابٌّ برجل قاعِدٍ على الرصيف وهو ماسِكٌ بِقَصبة صَيدٍ قد تدلى منها خيط طويل برأسه صنارة. كان الناس بين غادٍ ورائِحٍ، بعضهم يمر أمام الرجل وبعضهم خلفه دون أن يُكَلمه أحد .لكن هذا هذا الشاب وقف قُبالَته وهو لا يكاد يُمسك نفسه من الضحك، وقال: بالله عليك يا هذا، قل لي ما تصطاد هنا في مكان لا تمر منه إلا السيارات والعربات؟ فقال الصياد: اعطني عشرة دراهم وسأُخبرك! لم يتردد الشاب وأَخرج قطعة عشرة دراهم من جيبه، فلما أمسكها الرجل قال: أنا أصطاد المُغَفَّلين أمثالك!
كان لقاء ممتعا. ولما خرجا من المقهى فتح الرجل باب سيارة أكثر فخامة من تلك التي رآها سمير في الكابانوهات. سيارة جديدة رائعة لا غُبارَ عليها ولم يحلم قَطُّ أن يركب مثلها. أخذه الرجل إلى فيلَّا في أحد الأحياء الراقية. وهناك قَدَّمه لابنته الصغرى وأخبرها بأنه سيُعطيها دروسا منزلية في الفرنسية والإنجليزية. لم تَقل شيئا. جلست إلى طاولة وأمامها حاسوب وجلس إلى جانبها وبدأ درسا في الأنجليزية.
وما هي إلا دقائق حتى خرج أبوها وتركهما لوحدهما في المنزل. تَعجَّب سمير لذلك و إن لم يَطُل غياب مضيفه. والأغرب من ذلك أن الصغيرة كانت تتحدث الفرنسية و الإنجليزية أحسن منه ولم يكن ينقصها شيء بالنظر إلى مستواها الدراسي. بدأت الأسئلة تتناسل دون أن يُظهِر من ذلك شيئا لتلميذته.
نهضت الصغيرة لتفتح باب المنزل، ودخل شاب، يبدو أنه أخوها، واتجه رأساً نحو غرفة دون أن يُسَلّم على أحد. عِندها جاء والد الصغيرة وجلس إلى جانبها وقال لسمير: كيف وجدتَها، يا أستاذ؟
- بصراحة، انجليزيتها أحسن من انجليزيتي وفرنسيتها أحسن من فرنسيتي!
- إذا كنت تظن أنها ليست بحاجة إليك، فسأرى إن كان أخوها الأكبر محتاجا إلى دروسك. لكن، على ما يبدو، ليس مستعدا لِلِقائك الآن. سأتصل بك لاحقا.
- شكرا، لى أية حال أنا في الخدمة، حاج.
- اسمي الحاج ابراهيم.
أخرج الحاج ابراهيم من جيبه ورقة نقدية ووضعها في يد سمير ثم طلب من ابنته أن توصِله إلى الباب. خرج سمير من الفيلا ونظر إلى الورقة النقدية فإذا هي مائة درهم. أول أجرة يتقاضاها في حياته. عاد إلى منزل والديه وقلبه مُفعَم بالأمل. حتى تلك الشابة التي كانت سببا في لقاء الحاج ابراهيم لم يُطِل التفكير فيها. فقد كان يفكر في غيرها. كان يُحِب إحدى طالبات قسمه، هي أيضا تخرجت قبل أربعة أشهر ولم تجد بَعْدُ عملا و لا زوجا. ولم تكن ترغب في الحديث إليه.
مَر أسبوع على ذلك اللقاء. ثم رَن الهاتف مرة أخرى. وفي هذه المرة لم يَستعجل سمير، فقد كان له رصيد يكفيه مدة ثلاثة أشهر. كم كانت مفاجأته عظيمة لما أخبره الحاج ابراهيم بأنه ينتظره في مقهى قريبة جدا من دوار "ماعندناش ما خاصناش". التقيا هناك ولم يشربا شيئا. مَدَّ الحاج ابراهيم بضعة دراهم لِلنادِل والتفتَ إلى سمير وقال له: سنشرب القهوة أو الشاي في منزلكم. لم يكن لِسمير كثير من الوقت حتى يُدير كل هذه الأفكار في رأسه.
تناولا الشاي في منزل والديّ سمير ووضع الحاج ابراهيم ستمائة درهم في والدة سمير وقال لهذا الأخير: أنتظرك غدا في المنزل الذي استضفتك فيه.
ذهب سمير إلى هناك فوجد الحاج ابراهيم بانتظاره ومعه ابنه الأكبر. جلس الثلاثة حول مائدة عليها ما لَذ وطاب من المشروبات والفواكه. لكنهم ما أن جلسوا حتى التفت الحاج ابراهيم إلى سمير وطلب منه أن يحكي لهم بعضا من نُكته. فبدأ بنكتة أضحكت كثيرا الحاج ابراهيم وولَده. ثم توالت النكت وكثُر الضحك... بعدها استأذن ابن الحاج ابراهيم للخروج فأذن له أبوه. ثم غَيَّر الحاج ابراهيم مقعده لِيجلس قُبالة سمير، وقال:
تعلم، يا سمير، أنت أول من أضحكني أنا منذ أربعة أشهر، مع أني رجل أعمال ناجح، والحمد لله. لكن ابني هذا سَبَّب لي أتعابا كثيرة. لا أدري لماذا، ولكنه يعاني من أمراض نفسية. لقد عرضته على أمهر الأطباء النفسانيين الذين أعرفهم، وكانت حاله تتحسن أحيانا، لكن سُرعان ما يُصاب بانتكاسة ويعود إلى قوقعته. صدِّقني، أنا لم أره مبتسما منذ مدة طويلة. وأنا شعرت بسعادة غامرة لما رأيته يضحك أمامي. لذلك، أنا أريد منك أن تكون، ومنذ هذه اللحظة، صديقا لابني. أنت لم تَدرُس الطب، على ما أفهم، لكنك قد تكون لابني أحسن طبيب!
- أنا في الخدمة، سيدي.
شرح الحاج ابراهيم لِسمير مشكلة ولده، وقال: إنه كان يحلم بأن يكون طبيبا، لكن أمنيته لم تتحقق. فَدرس علوم التجارة و إدارة الأعمال. ولما حصل لى دبلوم وجد عملا في إحدى الشركات لكنه لم يتأقلم مع محيطه. ثم عمل في مقاولة أخرى ووقع له نفس المشكل. وكُنتُ أنا أرفض أن يشتغل معي لأني أحببت أن يعتمد على نفسه ويُكثِر من التجارب التي تجعل منه رجل أعمال ناجح في المستقبل. وفي الأخير، اضطُرِرت إلى أن أمنحه فرصة للعمل بإحدى مقاولاتي. ولم تنجح التجربة. فشجعته على إحداث مقاولة يختارها هو ويديرها هو. فأنشأ مقاولة صغيرة عِبارة عن مركز اتصال وشَغَّلَ معه أربعة أشخاص. فشلت التجربة بعد سبعة أشهر. ثم كان الإكتئاب والأطباء والأدوية وصُداع الرأس. ثم صبرت إلى أن قبِل خوض تجربة أخرى. فأنشأ مقاولة لكراء السيارات وبعدها مقاولة للتوصيل السريع. نفس النتيجة، نفس المشاكل. بعد ذلك أنشأ شركة للتصدير والإستيراد. وفي هذه المرة استعان بشريك ساهم معه في رأس المال وفي الإدارة. لكن الفشل كان له بالمرصاد. فصار يؤمن بأنه إنسان فاشل لا يَصلح لشيء. وهو الآن لا يفعل شيئا. فقط يخرج ليجلس في إحدى المقاهي أو يذهب للتسوق في أحد المتاجر الكبرى، وأنا أعطيه كل ما يريد من مال مخافة أن يقع له الأسوأ. لذا، أُعَوِّلُ عليك. إذا كنتَ مستعدا لكِراء قلبك، فأنا أكتريه منك. أَسكِنْ ابني قَلْبَكَ وأُجرتك مضمونة. وهذه مجرد هدية.
أخذ سمير الظرف الصغير الذي مَدَّه إليه الحاج ابراهيم وشكره على ثِقته، ولما خرج من المنزل فتح الظرف فوجد فيه ألف درهم!
فرح فرحا كبيرا، لكنه تَذَكر أنه لم يطلب من الحاج ابراهيم أن يعطيه رقم هاتف ابنه. فاحتار هل يرجع في تلك اللحظة أم يسأله في وقت لاحق. فقرر الإنتظار. وذهب مباشرة إلى جوطية المدينة واشترى دراجة مُستَعمَلة.
وبعد أيام قليلة، أرسل رسالة نصية إلى فؤاد، ابن الحاج ابراهيم، يُخبره أنه لديه فكرة مشروع وأنه مستعد لأن يكون له شريكا. فلما التقيا أوضح له أنه يقصد أن يكون له شريكا بأفكاره لا بدراهمه. واقترح عليه أن يُنشِأَ مدرسة خصوصية للأطفال من مستوى الروض والإبتدائي، قائلا إن هذا المشروع لن يكَلِّفه كثيرا وستظهر نتيجته في وقت وجيز. فقال فؤاد: لِمَ لا؟
وما أن افترقا حتى ذهب سمير بسرعة البرق إلى الحي الذي تسكن فيه تلك الخِرِّيجة التي أحبها ولم تُعِره اهتماما. طَرَق الباب فأطلت هي من النافذة ثم اختفت. فَهِم هو أنها لا تريد الحديث معه. ومع ذلك طرق الباب مرة أخرى، فخرجت أمها وقالت: ماذا تريد منا، سيدي؟ فأخبرها بأن أحد الأشخاص على وشك أن يفتتح مدرسة خاصة للأطفال وهو بحاجة إلى مُرَبية، فإن كانت بنتها بثينة ترغب في العمل كمربية في هذه المدرسة فسيكون هو سعيدا بتقديمها إلى صاحب المشروع. ظهر بريق في عيني الأم، لكنها لم تقل شيئا. توارت وراء الباب وبعد ثوانٍ عادت ومعها بثينة. شرح لها ما أتى به. فطرحت عليه أسئلة من قبيل: مَن صاحب المدرسة؟ وأين توجد؟ ولماذا قصدها هي بالذات؟ فقال لها: هذا رقم هاتفي، ستصلك مني رسالة نَصية فيها أجوبة شافية عن كل أسئلتك.
ولم يَمُرَّ وقت طويل حتى افتُتحت المدرسة، افتُتحت وسط السنة الدراسية. كان الثمن رمزيا، ومع ذلك لم يأت خلق كثير في الشهر الأول. فاهتدى إلى فكرة وعَرضها على فؤاد فقبلها. اقترح عليه أن يلتقي بالصغار داخل المدرسة كل يوم جمعة لِيحكي لهم قصصا من قصص الأطفال عسى أن يكون ذلك سببا في زيادة شُهرة المدرسة. قَبِلَ فؤاد الفكرة، لكنه سرعان ما غيّرَ رأيه. صُدِمَ سمير. فهو لم يقترح ذلك حُبّاً في الأطفال ولا في فؤاد. بل كن غرضه أن تُتاحَ له ولو فرصة صغيرة للتحدث إلى بثينة. الآن لم يَعُد بإمكانه أن يدخل المدرسة بدون إذْنٍ صريح من فؤاد. لم يَعُد سمير يدخل المدرسة، لكنه صار مُدمِنا على المرور بالقرب منها، خاصة عندما تكون بثينة قادمة إليها أو ذاهبة إلى منزل والِدَيها. ومع مُرور الأيام، لاحظ أن فؤاد صار يُكثِر من زيارة المدرسة، وبالتوازي مع ذلك لم يعد يتصل به لا بالهاتف ولا عبرَ مواقع التواصل الإجتماعي. بل وصل الأمر إلى حَدِّ أن فؤاد حَذَف حسابات سمير من فيسبوك وإنستغرام وتكتوك. وجاء اليوم الذي رأى فيه سمير حبيبته بثينة تركب سيارة فؤاد.
كانت صدمة ما بعدها صدمة. وكانت في أواخر السنة الدراسية. فلم يستطع أن يفعل شيئا. سَكَن الحزن كل خلية من خلاياه. واختفت البسمة من محياه. ولم يعد يحكي نُكتا لأحد. بل صار يُكثِر من الذهاب إلى المسجد، خاصة لأدء صلاتي المغرب والعِشاء. وصار يذهب إلى الغابة، وهناك يقرأ كل ما وجد من مقررات دراسية. فقد قرر أن يخوض تجربة دروس الدعم والتقوية في حالة ما إذا لم يتوفق في الحصول على عمل قار. وكذلك كان. مرت أشهر العطلة الصيفية وهو يلتهم الكتب المدرسية. وما أن بدأ العام الدراسي التالي حتى اكترى مِرآباً بأحد أحياء المدينة. وصار يعطي دروسا في جميع المواد، فَكَثُرَ زبناؤه حتى ضاق بهم المِرآب. فاكترى شقة في مكان غير بعيد وحَوَّلها إلى مركز لدروس اللغات والدعم والتقوية. وجاءه معلمون وأساتذة، ومنهم أستاذة دخلت قلبه منذ النظرة الأولى. قَبِلتْ عرضه بالزواج، لكنها اشترطت أن تسكن معه في شقة مستقلة عن منزل والديه. فقال لها: إذا اكترى أحدٌ قلبي في المرة القادمة فسأكتري لك شُقة!
- العين الحسود ( قصة )كان الطفل يلعب مع أطفال آخرين في ساحة مفتوحة. كان أجملَهم جميعًا، وأسوأَهم لباسًا. سخِر منه بعض الأطفال بسبب جلبابه القديم الذي يرتديه يوميًا، بينما اليومَ عيدٌ. وَبَّخهم ابن عمه الأكبر، قائلًا إنهم يغارون منه لأنه أجملُ منهم. وقف شابٌّ على حافة الساحة ولوّح بِيده للطفل الوسيم، الذي ذهب إليه مترددًا.قال الشاب: هل أنت حسن ابن محمد؟أجاب الطفل: نعم، أنا هو.- إنه في المقبرة.- ماذا يفعل في المقبرة؟- إنه ينام هناك.- نائم؟ منذ متى وهو ينام هناك؟- لا أعرف.- كيف ذلك؟- والدي ميت.- الآن فَهمت. وبعد لحظة، قال الشاب: هل تذهب إلى السوق؟- نعم، أحيانًا، لماذا؟- أين تشرب الشاي عندما تذهب إلى السوق؟- في مقهى الهاشمي.- حسنًا. وداعًا.حَدَّق حسن بعينيه بينما استدار الشاب وابتعد.في الثلاثاء التالي، كان حسن جالسًا مع عمه في مقهى الهاشمي عندما ظهر الشاب عند الباب وسلّم على الجميع.قال الشاب لعم حسن: هل يمكنني أن آخُذَ حسن معي لبعض الوقت؟- لماذا؟- أريد فقط أن أشتري له شيئًا.- حسنًا. لكن لا تبتعد كثيرًا.اصطحب الشاب حسناً إلى دكان قريب واشترى له جلبابًا جميلًا ونعالًا جلدية. شكره حسن مبتسمًا، وقال: لماذا تفعل هذا من أجلي؟- أنا الآن مُعلّم، لكنني كطالب كنت أقرأ كُتبَ والدك الراحل.- هل كنتَ تعرفه شخصيًا؟- لا. لكنني عرفته من خلال كتبه ومن خلال أشخاص آخرين.- إلى أين نحن ذاهبون الآن؟- ليس بعيدًا. ليس بعيدًا.وقفا أمام عِجلة في سوق الحيوانات. ابتسم الشاب لحسن، وقال: ما رأيك في هذه العِجلة؟قال حسن بابتسامة عريضة: إنها جميلة .- ستكون لك بعد قليل؟- لي أنا ؟بمجرد أن دفع الشاب ثَمن العجلة، ركض حسن إلى محل الهاشمي ونادى: عمي! عمي! انظر! هذا الرجل اشترى لي عجلة! إنها جميلة! انظر!لم ينظر عم حسن وحده إلى العجلة، بل نظر إليها جميع من في المحل.لماذا كل هذا؟ سأل عم حسن الشاب بريبة، فأجابه على الفور: كان والد حسن لطيفاً معي. أفعل هذا من أجل ابنه. هل لي الآن أن آخذ حسن والعجلة إلى المنزل؟- حسناً.وعند مغادرته السوق، دعا الشاب ببعض الأدعية. استمع حسن، ثم قال: سمعتك تقول "العين". ما هي "العين"؟- عندما يُعجَب الناس بشيء يملكه غيرهم ويغارون منه بسببه، فإنهم ينظرون إليه نظرة سلبية، وغالبًا ما تُسبِّب نظرتهم له كارثة، سواءً على الشيء نفسه أو على صاحبه. كذلك، قد يجذب الرجل الغني أو المرأة الجميلة، على سبيل المثال، عين الحسد.- يقول الناس إن والدي كان وسيمًا جدًا، فهل كانت العين هي التي قتلته؟- لا أعرف. كل ما أعرفه هو أن العين سيئة جدًا بالفعل.- كيف يمكنني تجنبها؟- لا أعرف كيف يمكن للمرء تجنبها عندما يكون لديه أشياء لا يملكها الآخرون.- ماذا أفعل إذًا؟- حسنًا، افعل شيئًا جيدًا في حياتك. افعله بأسرع ما يمكن.- شيء مثل ماذا؟- اكْتُب كُتبًا، كما فعل والدك.- لكنني لا أستطيع.- لا يمكنك الآن، ولكن يمكنك لاحقًا.- ماذا لو لم أستطع فِعلَ ذلك حتى عندما أَكبُر؟- ستفعل شيئًا أفضل لَو حاوَلت. لكن الآن انسَ كل هذا. فَكِّر في عِجلَتك. اعتنِ بها. وتجنب الأطفال الذين يغارون منك.وسُرعان ما أصبحت عجلة حسن حديث القرية. جاء أعمامه إليه واحدًا تلو الآخر وطلبوا منه أن يبيعهم العجلة. "لا، لا، لا!" كان رَدَّ حسن على جميع أعمامه وجميع من جاءوا إليه أملًا في شراء العجلة الجميلة. وسُرعان ما أصبحت العجلة صديقةَ حسن الوحيدة. أطلق عليها اسمًا: بتول.ولكن أين ستجد بتول طعامًا وماءً ومكانًا للنوم في قرية يتمنى جميع الذكور والعديد من الإناث الحصول على بتول لأنفسهم؟كان الأمر الأكثر إلحاحًا هو توفير مكانٍ للنوم لِبَتول، ولهذا اضطر حسن إلى التوسل. ذهب إلى إمام مسجد القرية وطلب مساعدته. قال الإمام على مضض: اذهب إلى يامنة. لقد فَقَدَت طفلًا للتو، كما تعلم. ربما تشفق عليك. لكن لماذا لا تبيع الحيوان ببساطة وتُوفِّر على نفسك كل هذا العناء؟لم ينتظر حسن لحظة. طار إلى بَيت يامنة وبكى أمامها: كما تَرينَ ، يا عمتي يامنة، أنا يتيم، والجميع يُريد أن يسلبني صغيرتي. لا أحد يريد أن يتركني وشأني. أريد فقط مكانا صغيراً لتنامَ فيه صغيرتي. لا أريد أي شيء آخر!- ستحصل عليه يا بني. لكنك ستظل بحاجة إلى إحضار الطعام والماء. كيف ستفعل ذلك؟- سأفعل كل شيء من أجل بتول!بكى حسن وهو يقول ذلك.نعم، لأجل بتول، بذل حسن كل ما في وسعه. كان يغسلها في النهر كل صباح، مع أن النهر كان بعيدًا. كان يساعد أعمامه وغيرهم في الحقول مقابل أن يعطوه شيئا تأكله بتول. كان يذهب إلى المسجد للصلاة، وعند عودته كان يحمل دلوين من الماء من بئر المسجد إلى بتول، التي كانت تنتظره على قطعة أرض صغيرة في أراضي يامنة. وعندما لا يكون لديه ما يفعله، كان يدفع نفسه على أرجوحة شجرة بينما تراقبه بتول بِرِقَّة. أحيانًا، كان يصطحبها إلى أماكن أخرى من القرية فقط ليُرِيَها أزهارًا جميلة أو ليُسمِعَها الموسيقى بينما يعزف أولاد القرية على الأوتار في بستان قريب.ثم جاءت أوقات عصيبة. جَفَّ النهر. بِالكاد استطاع أعمامه والآخرون إيجاد أي نباتٍ لحيواناتهم. حتى الماء في بئر المسجد تَعَمق أكثر فأكثر في الأرض. كانت لا تزال هناك بعض الزهور هنا وهناك، لكن لم يكن لدى أحدٍ قلبٌ لرؤيتها، لم يعد أحد يرغبُ في الموسيقى. كانت المحاصيلُ تموت، والحيوانات تهلك كل يوم. وهكذا نظر حسن باكيًا إلى بتول المتألمة، التي أتمت لِتَوِّها ثلاث سنوات. شاركَها القليلَ من الطعام الذي أحضره لها عند الفطور، وأحضرَ لها باقاتٍ من الزهور التي لم يَعُدْ أحدٌ يَرغبُ في رؤيتها، وأحضرَ لها أوعية من الماء من بئر المسجد، ولكن دون جدوى. ماتَت بتول، وبكى حسن.محمد علي لكوادر
- غُصَّةُ الزّْمامْرة ( قصة )في ذلك الوقت لم تكن بوزنيقة تختلف كثيرا عن خميسْ الزّْمامْرة. موسى من بوزنيقة، بِها وُلِد و بها نشأ. كان أبوه فَلاحا له ضيعة و يبيع بعض مُنتَجاته في الأسواق الأسبوعية. و كان موسى يَصحَبُهُ إلى سوق أربعاء بنسليمان و سوق الأحد بالمحمدية، أو فضالة، كما كان يُسميها أبوه. ولم يكن موسى يعرف غير هاتين المدينتين حتى كَبُر. فَلما حصل على الباكلوريا التحق بكلية الآداب بالمحمدية. ولم يتعدَّها إلى أن احتاج إلى مَراجِعَ من مكتبة آل سعود بالدار البيضاء.في عام 1990 حصل على الإجازة، و بدون تردد كان من المترشحين لوُلوج سلك التعليم الإبتدائي. كانت المباراة بمدينة بنسليمان. نجح، و بعد التدريب عُيِّنَ بِبلدة نائية بإقليم طاطا. و للوصول إلى هناك مَرَّت الحافلة بأماكنَ اكتشفها لأول مرة.في ضيعة أبيه كانت أشجار الزيتون البرّي و أشجار الرمان و أشجار التين الأبيض و التين الأسود و العنب الأبيض، كما هو الحال في سائر المنطقة. لم يكن هناك عنب أسود في ذلك الوقت. أمّا هنا في الطريق فكُلما توقفت الحافلة صعد إليها فتيان و فتيات بأيديهم سطول و سِلَلٌ مُلِئت تينا أو عنباً. و ما أحلى العنب الأسود و التين الأسود الذي يُعرَض عليك و أنت في دكالة أو عبدة!استقر موسى بتلك البلدة النائية بإقليم طاطا. تأقلم بسرعة. ولم يشعر كثيرا بالحنين إلى بوزنيقة. حتى ظروفه المادية لم تكن تسمح له بكثرة التنقل بين طاطا و بوزنيقة. إلا أن الأمور تحسنت شيئا فشيئا. و دخل المدينة، و صار يجلس مع زملائه في المقاهي، إلا أنه كان يلتزم بالصلاة في المسجد كلما أمكنه ذلك.هناك في طاطا سمع ما لم يكن يخطر له ببال. سمع بعض المعلمين يتحدثون عن الزواج. فكان يقول بعضهم أنا تزوجت سُلَّم 8 و يقول الٱخر أنا تزوجت سُلَّم 10. فكان هو يقول في نفسه: كيف أرضى أن أتزوج امرأة لمجرد أنها في سُلَّم كذا أو كذا؟ الحُب و إلا فَلا!و هناك في الطريق، بين طاطا و البيضاء، وقَع ما لم يخطر له على بال. توقفت الحافلة في خميسْ الزّْمامْرة، و صعدت من بين الصاعدين فتاة لم يَرَ مثلها قط، فتاة قرأ عن أمثالها في قصص محمد عطية الإبراشي، فتاة تصعد إلى الحافلة و في يدها سطل فيه تين أسود. ما أن رآها حتى أحس بالدم يغلي في عروقه و برغبة جامحة في أن يأخذها ويهرب بها بعيدا حتى لا يراها غيره. أما هي فكانت تُنافِس غيرها من الفتيان و الفتيات على الزبناء المُحتَمَلين الذين لهم رغبة في شراء العنب أو التين. اقتربت الفتاة من موسى و كاد قلبه يسكت. فسألها بصوت لا يكاد يُسمعُ عن ثمن التين. فأدخل يده في جيبه حتى قبل أن تَرُد عليه. طلبت عشرة دراهم، فَلما مدَّ إليها خمسين درهما و قال خُذي هذه، أعطَتْه السطل بما فيه، و ضحكت لما سألها عن اسمها، ضحكت حتى سمع الناس قهقهتها. ثم نزلت من الحافلة بسرعة البرق. لم تَقُل له اسمها، و لم يستطع اللحاقَ بها، و تحركت الحافلة، و احترق قلبه و ازداد احتراقا حتى بعد وصوله إلى بوزنيقة .كَلَّمته أُمه عن الزواج فَسَوَّفَ. و بدأ يكتب الشِّعر. واشترى الأسطوانات. و بكى. و طلب التعيين في أقرب مكان لخميسْ الزّْمامْرة. و جاءه التعيين في إقليم الجديدة. و قضى أعواما في البحث عن بائعة التين الأسود. و لما لم يجِد لها أثراً عاد إلى إقليم بنسليمان، و تزوج، و ولدَ، و لم يَنسَ أبداً صاحبة التين الأسود .لم يكن موسى أبداً من المُتبَرِّمين بالقضاء و القدر. كان و ما يزال من المؤمنين المُتَخَلِّقين، و على ذلك رَبَّى وَلَديه و بِنتَه التي صارت الآن في مِثلِ سِنِّ بائعة التين الأسود. و حتى زوجته من أطيب خَلقِ الله، لم يَرَ منها إلا ما يَسُر قلبه. و لكن هيهات هيهات أن ينسى بائعة التين الأسود !لِأجلها صار من مُحِبّي فريق نهضة الزّْمامْرة لكُرة القدم. لِأجلها صار شاعراً يكتب الدواوين و يطبعها على نفقته الخاصة. بِسَبَبِها ما زالت شهيته تَنْسَدُّ كلما رأى التين الأسود.
بنت الحاج اليَزيد ( قصة )
في النواحي الشرقية و الجنوبية لمدينة آسفي و الشمالية لمدينة الصويرة يُطلقُ اسم البَراكة على الدكان أو الحانوت ذلك أنه في معظم الحالات تكون البراكة مكانا يجلس فيه شُبان القرية لشُرب الشاي و لعب الورق و ما شابه بعض هذه البراكات صارت معروفة لتواجُدِها على جانب الطريق الوطنية، و بها عُرف المكان بحيث تتوقف عندها حافلة الرُّكاب و كان ذلك سببا في تزايد عدد سكانها مع مرور الوقت من هذه البراكات براكة الراضي
كان اليَزيد يسكن مع أمهفي بلدة لا تبعد كثيرا عن براكة الراضي كان وحيد أُمه و أنيسها الوحيد بعد وفاة أبيه فكان هو من يقوم بأعمال الحرث و الرعي و ينوب عن أمه في كل شيء و كانت هي تُقَضي معظم الوقت في الكُشينة، المطبخ، أو في الغزل في ظل إحدى الأشجار و أحيانا كانت تجلب الماء من النطفية القريبة من البيت
كان لِاليَزيد لَقَبٌ، كما هو الحال لسائر رجال البادية في المنطقة كان يلَقب بالشّْرامي، لِعَيْبٍ في شَفته العليا كان هذا اللقب يُسبب له مشاكلَ نفسية في بداية شبابه، لكنه تَعَود على الأمر و صار يُمارِس حياته بِشكل عادي، يُخالط الناس و يجلس مع الرجال و الشباب في البراكة و في السوق و في المناسبات إلا أنه جاء يوم تغيَّر فيه كل شيء
كانت له ابنة عمة، و كان من الطبيعي أن يُفكر فيها عند بلوغ سن الزواج كانت أمه مستعدة لأن تُنفِق على زواجه كل ما تملك و كانت لها أرض و ماشية ذهبت لِخِطبةِ الفتاة، فرفضت صُعِقَ اليَزيد لِسماع الخبر لم يكن ينتظر هذا الرَّد من بنت عمته فسأل عن السبب و عرف أن بنت عمته كانت ترفضه في السِّرِّ لِعَيبهِ و تقول في العَلن إنها تريد رَجلاً من المدينة
كان اليَزيد يراها قبل أن يُرسِل أمه لخِطبتها، و كان يَعرف شكلها و صورتها فهي شقراء بالنظرِ إلى لون وجهها، و رغم أن أسنانها اصفرَّت بالتسوس فإن شفتيها كانتا تُضفيان مُسحة من البهاء يجعل كل من ينظر إليها يَغض الطرف عن أسنانها و لم تكن أجمل فتاة في القرية، لكن اليَزيد رَغِبَ في الزواج منها، و لَما رَفضت أحسَّ لأول مرة بأنه يشعر نحوها بهذا الشعور الذي يسميه الناس الحُب نَعَم، صار يُحبها، و صار يَختبئ في أعلى هذه الشجرة أو تلك لِمُجرد أن يَتَمَلى بالنظر إليها و هي تمشي الهوينا نحو النطفية من حيث تجلُب الماء لأهلها
بدأت حالته تسوء شيئا فشيئا و بدأ الناس يتهكمون منه فصار لا يقدِر على الجلوس في البراكة و لا يَظهر في السوق إلا بِقَدْرِ ما يشتري فيه ما لا بُد منه و رَقَّت أمه لِحاله، فقالت له إنها ستُزوجه فتاة لم يحلم قط بمثلها
لم يُصدِّقها كان يقول في نفسه إذا كانت هذه ابنة عمتي تعرفني منذ صغري، و تعرف أخلاقي، و هي من دمي و أهلي ترفضني فماذا ستقول عني غيرها؟
حارت أمه في أمره، و خافت عليه، لأنها تعرف شابا انتحر بسبب فتاة أَحَبها فجاءته يوما بالبشرى قالت له إنها سمعت بهذه العمليات الجِراحية التي يُخفي بها الأطباء أو يُصلِحون العيوب الخِلقِية كانت تلك أولَ مرة في حياته تُشير صراحة إلى العيب الذي في وجهه قَبِلَ الفكرة، و شجعته أمه بقولها إنها لن تبخل عليه بأي شيء عَرَضت عليه أن يبيع ما شاء من أبقار و أغنام أو حتى الأرض فقال إنه لن يبيع أي شيء قبل أن يذهب إلى المدينة لِلإستفسارِ عن تللك العمليات الجراحية
ذهب إلى المدينة، و عَلِم أن العملية ستُكلفه ما لا يقل عن أربعة ملايين سنتيم عاد إلى بلدته مُفعَماً بالأمل، عازما على إجراء العملية ذهب إلى السوق بِغرض بيع بقرات و عجول، و في الطريق التقى بِمَنْ ٱخبره بأن ابنة عمته خُطِبت و أن الذي خطبها رجل يسكن في تيط مليل، بضواحي الدار البيضاء كاد يُغمى عليه، و افترش الأرض و أمسك برأسه و أطرق مُفَكِّرا في ما عساه فِعلُه الآن
عاد إلى البيت و معه البقرات و العُجول قالت له أمه لا تحزن، سأُزوجك بفتاة لم تحلم قط بمثلها
و فعلت أمه ما لم تفعل من قبل صارت تذهب على أَتانِها من دوار إلى دوار تبيع الكُحل و السواك و الحناء و أشياء تخصُّ النساء لم تكن بحاجة إلى مال، إنما فعلت ذلك حتى تترف على أكبر عدد من البنات لَعلها تجد من بينهن عروسا لابنها استعملت كل ما في جهدها من حيلة، لكن ما أن تعلم الفتاة بِعَيب الرجل فإنها لا تتردد في رفضه رَفَضته نساء كثيراتٌ و في الأخير قَبِلَته يتيمة لا أصل لها و لا فصل قَبِلَته طَمَعا في ما تملك أمه فجاءته أمه بالبُشرى و تزوج اليَزيد ، و سَعِد بِزواجهِ و نَسِي أو كاد ابنة عمته
لم تكن اليتيمة من النوع الذي يجذب الأنظار لكن من يقترب منها و يتأمل قَسَمات وجهها يعترف لها بنصيبها من الجَمال كما أن صوتها يدخل القلب بلا استئذان، و لها ضحكة تُحَرك الوِجدان
و سرعان مآزدان بيتهما بصبية عَجِبَ الناس لِحُسنِها يُقسِمُ كل من رآها أنها لا يمكن أن تكون من صُلب رجل كَاليَزيد صار الجميع يقول الشرامي عندو بنت زوينة، سبحان الله و كلما كَبُرَتْ لم يَعُدْ أحد يذكر اسم الشرامي صار الجميع يقول له الحاج اليَزيد ، طَمَعا في بنته التي حيرت النساء قبل الرجال
أما بنت عمة اليَزيد ، تلك التي رفضته لِعَيبِه، فإنها تزوجت من رجل يسكن بتيط مليل و يعمل في إحدى الشركات بالمدينة هو لم يكن يعرفها و هي لم تكن تعرفه لكن كل من كان يعرفه استغرب زَواجَهُ من امرأة بدوية كان قبل زواجه إذا التقى بشخص ما و دار بينهما حديث يقول له لو كانت هذه السيارة تتكلمُ لأَخبرَتك كم من البنات رَكِبن معي فيها لم أترك شقراء و لا بيضاء و لا سمراء إلا حملتها في هذه السيارة ، حتى رمضان لا أعرف إن جاء أم لم يَجئْ لا فرق عندي بين شعبان و رمضان
و مع ذلك كان هذا الرجل يخاف كان يخاف من النساء فقد جرب النساء في المدينة حتى لم يعد له ثقة بأي منهن و كلما زاد خوفه قَلَّت رغبته في الزواج لكن أمه أَلحت عليه إنها تريد أن تَفرَحَ بأبنائه قبل أن يوافِيَها الأجل و بعد تفكير و تردد قَبِل فكرة الزواج، لكن بِبَدوية كان يعرف رجُلا من براكة الراضي و هو الذي اقترح عليه أن يتزوج من تلك المرأة التي رفضت اليَزيد ذهب إلى أهلها و رَحَّبوا به و في ظرف أقل من شهر كانت في بيته في تيط مليل كان أهله يسكنون شقة صغيرة في إحدى الإقامات ببنسليمان لكن لما التحق للعمل بتلك الشركة في الدار البيضاء اكترى بيتا مع الجيران في حي متواضع بتيط مليل كل هذه التفاصيل لم تكن تهم ابنة عمة اليَزيد ما كان يهمها هو أن تعيش مع زوجها في المدينة، كما أن هذا الرجل لم يكن فيه عيب، بل كان مليح الوجه حُلوَ الكلام
ولدت له ولدا، و لما بلغ من العمر خمس سنين كان جالسا يلعب بين الطريق و المنزل الذي يقطن فيه والده، فَإِذا بِسائق دراجة نارية يسوق كالمجنون و يصدم بدراجته الصبي المسكين لم يفعل ذلك عُنوةً، و لكن هي حوادث السير خرج والد الصبي مهلوعا و تبعته زوجته تُولول و الجيران
أجمع الأطباء على أنه لا بد أن تُبتَرَ ساق الصبي التي داستها الدراجة النارية، لكن الأب أقسَمَ أن يفعل كل شيء لإجل ابنه، فباع كل شيء، حتى المَلاعق و السكاكين، و اقترض من الأغنياء و المساكين من أجل أن لا تُقطعَ ساق ابنه و كذلك كان
كَبُر الصبي، و صار شابا لم يُوَفَّقْ في دراسته، لكنه عمل مثل أبيه في شركة فبادرته والدته بالحديث عن الزواج فلما قالت له إنها تنوي أن تُزوجه بأجمل فتاة في الدنيا، و كانت تقصد بنت اليَزيد ، ضَحِك فلم يكن متحمسا للزواج أصلا، فكيف بالزواج من بدوية مهما كان حُسنُها فقد اعتاد على بنات المدينة حتى و لو كُنَّ أمِّيات يَسْكُنَّ في البراريك كانت له دراجة نارية من نوع بوجو 103و كان يُكثِر الخروج مع الأولاد، فلما علمت أمه أنه يربط علاقات بفتيات من حَيٍّ قصديري في نظرها سيء السمعة، خافت عليه، و ألحت عليه في التعجيل بالزواج، و قالت له سأُزَوجك بأجمل فتاة في الدنيا
و ذات صباحٍ، كان اليَزيد جالسا في ظل شجرة أمام بيته لَمّا فوجئ بِبنت عمته تناديه سلام، حاج اليَزيد لم تكن وحدها، كان معها زوجها و ولدها لكن اليَزيد لم يَرَ إلا الهاشمية، تلك التي رفته لِعَيب في شفته العليا، و جاءت اليوم تناديه باسم الحاج اليَزيد
لم يشعر اليَزيد إلا و هو يقود الهاشمية و من معها إلى داخل الدار لم يترك كلاما جميلا إلا و قاله لها و كأنه يريد أن يخطب وَلدها لابته أو يخطبها هي لنفسه خرجت زوجته من إحدى الغُرف و لاحظت أو أَحَسَّت، لا أدري، بأن شيئا ما تغير في زوجها فلم يكن يتحدث إليها أو يتودَّدُ إليها كما يفعل الآن مع هذه المرأة الغريبة من تكون يا تُرى؟ و لم يُزِلْ نره عن وجهها، و كان يتحدث إليها وحدها و لم يلتفت إلى الرجل الذي معها
ما هي إلا ساعة حتى فهمت طامو، زوجة اليَزيد ، سبب الزيارة قدَّمت الهاشمية ابنها على أنه يعمل في شركة في الدار البيضاء و يتقاضى ثمانين ألف ريال في الشهر، و أنها هي التي ألحت عليه بأن يأتي ليرى خدوج، بنت اليَزيد سكَتَت أم خدوج و ألمح اليَزيد بأن لا اعتراض عنده على تزويج ابته لولد الهاشمية، و استدرك قائلا إنه سيستشير البنت و أمها و يكون خير إنشاء الله
ذهبت الهاشمية و من معها، و قبل خروجهم من بيت اليَزيد سألته إن كان بالإمكان أن ينظر ولدها إلى خدوج فناداها أبوها و جاءت مسرعة رآها الولد فطاش عقله، و أحَسَّت به أمه ذهبوا إلى البيضاء و بقي قلب الولد ببيت اليَزيد
لم يكن هاتف نقال في ذلك الوقت و حتى الرسائل لم تكن تصل بسهولة إلى البادية، إلا إذا أوصلها أحد المَعارف لكن الولد لا يعرف أحدا يمكنه أن يوصل أي شيء إلى خدوج
أكثرَ اليَزيد من الكلام عن ابن الهاشمية و قال إنه، لِمصلحةِ بنته، سيقبل هذا الزواج إنه شاب له مستقبل، إنه يعمل في شركة بثمانين ألف ريال هذه فرصة لا تُعوض
أما أنا، تقول طامو، فَلن أقبل بهذا الزواج أنا أعرف قصتك مع الهاشمية و قد رأيت بأم عيني كيف كنت تنظر إليها و سمعت بأذني ما كنت تقوله لها ورأيت كيف فَرشتَ لها الهيضورة ولم تفرشها لزوجها أتظنني ساذجة؟ أنا قَبِلتك و صبرت عليك، و لن أسمح لك بأن تفكر، مجرد تفكير، في امرأة غيري
فَهِم اليَزيد أن زوجته غارت عليه، و لم يُلِحَّ عليها في تغيير موقفها و تَفادى الحديث في الأمر مع بنته لكن الشاب لم يَقبلْ بالأمر الواقع صَرَفَ خِلسةً أُجرة شهر كامل على بعض رجال القرية لعلهم يشفعون له لدى والدة خدوج، لكن كل المحاولات باءت بالفشل
و حَزِنَ اليَزيد حزنا شديدا حَزن لأنه شَعر و كأنه لم يتزوج فاجأه هذا الإحساس الذي كان يظن أنه وَلّى و دُفِن مع مرور الزمن فإذا به يحيى بعد فوات الأوان و حَزن أيضا لأن فرصة ستضيع على بنته فكيفما كان الحال هي بنته، و تستحق أن تعيش مع رجل له مستقبل مضمون في المدينة حَزِنَ كثيرا و لم يجد لِحُزنه حلًّا إلا أن يفكر في الإخواني
كانت طاموتقول لبنتها على انفراد و حتى أمام زوجها سأُزوجكِ بالإخواني فكانت هي تضحك و اليَزيد يضحك و البنت تنظر إلى الأرض و ترسم في خيالها صورة مثالية لهذا الإخواني
سُمِّيَ الإخواني بهذا الإسم لِتَدَيُّنٍ بادٍ من لحيته و هندامه و طريقة كلامه هو شاب من عائلة آخر سرة عاشت طامو في كنَفها كان طفلا صغيرا لما تزوجت و بما أنها احتفظت بعلاقة طيبة مع تلك الأسرة، كانت تزورها بين الفينة و الأخرى، فإنها كانت تُصادِف وجود ذلك الفتى في منزل تلك الأسرة أثناء العطلة الصيفية و اليَزيد أيضا لَقِيَهُ و أُعجِبَ به، و كان يَضحك كثيرا عندما يحكي له ذلك الشاب نكتاً و مستملحات من الأدب العربي القديم، و إن كان هو أمي لا يفهم الفصحى
الآن و قد جرى ما جرى، و ذاع خبر خدوج في القبيلة و كيف أن طامو رفضت المديني، و كثُر الكلام و القيل و القال، قال اليَزيد ذات ليلة لزوجته و كأنه يستطلع رأيها أظنك تنتظرين رجلا مثل الإخواني قالت و بدون تردد والله لو أتاني الإخواني لَما رددته
ما أن أصبح الصباح حتى وجد اليَزيد نفسه في حافلة رُكاب لم يسأل نفسه سؤالا و لم يفكر طولَ تفكير قَصَدَ عَين حَرّودة، حيث يسكن الإخواني في أحد الدواوير التابعة لها ذهب و سأل حتى عثر على الرجل كان الإخواني قد سمع بِخدوج و باهتمام كل الرجال بها، لكنه لم يجرؤ على التفكير بها و هاهو الآن يجلس مع أبيها في هذه المقهى الصغيرة الجميلة المطلة على شاطئ زناتة الكبرى لاحظ اليَزيد أن الشاب، و اسمه حميد، يُتمتم في كلامه و كأنه يحاول أن يُخفي سرا
قال حميد لاليَزيد بعد أن تحدثوا عن كل شيء، عن الدين و الدنيا و عن العيش في المدينة، ما الذي أتى بك إلى عين حرودة؟
قال بصراحة، أنا جئتك في مسألة تخص بنتي خدوج فقد تقدم لخطبتها رجل يسكن تيط مليل، غير بعيد عنكم، كما تعلم نحن نعرف والدته، لكنا لا نعرف شيئا عن سيرته و أخلاقه فَلو تساعدنا، من فضلك، بالبحث في هذا الموضوع بصراحة، أنا لست مُطْمَئِنا
فقال حميد بِنبرة يخلط فيها الجد بالهزل وَ لِمَ لا تعطي بنتك لِإِخواني مثلي؟
فرح اليَزيد بهذا السؤال و ظهر بَريقٌ في عينيه و قال
كما تعلم، الأمر لا يخصني وحدي كما أنك لَمْ تأْتنا
فقال حميد و الله لَآتِيَنَّكم في أقرب الآجال، إنشاء الله
لكن قل لي ما عملك؟
أنا مقاول ذاتي، أعني أني أعمل لِحِسابي الخاص، لا أعمل في إدارة و لا شركة، و ليست لي أجرة شهرية، و لكني أعمل كَكَهربائي، أتقاضى مُقابِلاً عن كل خدمة أُقَدمها لزبنائي و قد تعلمت هذه المهنة في مركز التكوين المهني
لكن لا تنسَ ما جِئتك لِأجله، و يكون خير إنشاء الله
و كان الخير تزوج الإخواني بخدوج و ما لَبِثَ أن استفاذ هو و أسرته من عملية إعادة الإيواء، فانتقل من الدوار إلى منزل من ثلاثة طوابق، أخذ هو أجملها، و بذا طاب خاطر زوجته
محمد علي لكوادر
Mohamed Ali Lagouader
حِكاية مَدرسة
كان حفيظ فتى وسيما، قوي البنية، و كان يغلب عليه الحياء حتى إن وجنتيه لَتَحمرَّان إذا ما سمع كلمات تمدح جَماله و ذكاءه و كان فوق ذلك من الطلبة النُّجباء في إحدى المدارس العتيقة بضواحي مراكش كان أبوه هو الذي أرسله إلى تلك المدرسة، و كان يفتخر به و يقول إذا لَم أتعلم أنا فإن ابني هذا سيكون مثل جده الأكبر الذي كان عالِما جليلا في وقته
كان لِطَلبة تلك المدرسة مِنحة تُعينهم على دراستهم، إلا أن حفيظ لم يكن يُعَول عليها ذلك أن أباه كان يُوَفر له كل شيء، و كان يزوره كلما سنحت له الفرصة حتى يُهَيء له كل الأسباب و الظروف لِيَكون في المستقبل عالما جليلا كما كان جده الأكبر
كان حفيظ، إضافة إلى وسامته، أنيقا، يَرتدي أفضل الثياب، و كان محبوبا عند الطلبة و الأساتذة على حد سواء و كان أحد أساتذته يُعِزه كثيرا إلى درجة أنه كان يستضيفه أحيانا في بيته، خاصة عندما تكون زوجته قد أَعَدت الرفيسة بلحم الدجاج و لكم أن تتخيلوا حياء حفيظ و هو يجلس لِيَأكلَ الرفيسة في بيت هذا الأستاذ بِحُضور وَلَدَيهِ و أحيانا يكون معهم ضيف آخر أو ضيفان إلا أنه ما لم يكن في الحُسبان هو أن يُقَدّمَ هذا الأستاذ بنته لحفيظ كان في الخامسة عشرة من عُمره و كانت هي تَصغُره بِعامَين هذه بنتي كلثوم هذا أعز طالب عندي، حفيظ رأى حفيظ بعينيه البريئتين كلثوم تلك، في كل حسنها و بهائها، و بدأ يَحلم بها كما يحلم الفتيان في مثل سنه
كان سعيدا سعادةَ الأطفال الأبرياء، و كان يتوق إلى اليوم الذي يصبح فيه عالما جليلا مثل جده الأكبر
إلا أنه ذات يوم فوجئ لما رأى أباه يستقبله في باب المنزل بِوَجه عابس كان حينئذ في السابعة عشرة من عمره، و كان قد جاء إلى بلدته لِيَزور أهله أياما قليلة بعد عيد الأضحى لِيُقَضيَ معهم يوما أو يومين ثم يعود إلى مدرسته لم يَفهم حفيظ كيف أن أمه استقبلته بِحَرارة بينما كان أبوه في غاية الحُزن و ما هي إلا ساعة حتى علِم السبب قال له أبوه يا بُنَي، كنتُ أحلم، كما تَعلم، بِأن تكون أنت مثل جدك الأكبر و لكن الذي حصل هو أن أخاك الأكبر قد انحرف، و صِرتُ في كل يوم أسمع شكوى من الناس بِسَببِ حماقاته لم يكن هكذا من قبلُ، و لكنها رفقة السوء يُؤسفني، يا بُنَي، أن أقول لك إنك لن تعود إلى المدرسة بعد اليوم أنت من سيُعينني في أعمال الحرث و الرعي بَدَل أخيك أنا لم أَعُدْ أُطيق رؤيته، و لولا كلام الناس لَطَردته من البيت
نزل الخبر كالصاعقة على حفيظ و مَرَّت الأيام، و صار يرى بنفسه حماقات أخيه و كان يَعجَب من نفسه كيف أن شعوره إزاء أخيه يتراوح بين البغض و الشفقة كان يُبغِضه لِما يَصدر عنه من أذى و كان يشفق عليه و على نفسه عندما يفكر و يتذكر ما قاله له أستاذه المراكشي عن الإبتلاء فكان يرى في هذا الأمر ابتلاءً، سواء لِأخيه أو له هو و لِأهله فَلم يكن يَجد بُدّاً من الصبر و رغم أن أخاه كان يَكبُره بعامين إلا أنه كان أقل قوة منه لذلك كان حفيظ يحرص على أن لا يتشاجر مع أخيه حتى لا يُؤذيه و كان يُكثر من ذِكر الله و يدعو لِأَخيه بالعفو و التوبة
إلا أنه ذات يوم فوجئ لما رأى أباه يستقبله في باب المنزل بِوَجه عابس كان حينئذ في السابعة عشرة من عمره، و كان قد جاء إلى بلدته لِيَزور أهله أياما قليلة بعد عيد الأضحى لِيُقَضيَ معهم يوما أو يومين ثم يعود إلى مدرسته لم يَفهم حفيظ كيف أن أمه استقبلته بِحَرارة بينما كان أبوه في غاية الحُزن و ما هي إلا ساعة حتى علِم السبب قال له أبوه يا بُنَي، كنتُ أحلم، كما تَعلم، بِأن تكون أنت مثل جدك الأكبر و لكن الذي حصل هو أن أخاك الأكبر قد انحرف، و صِرتُ في كل يوم أسمع شكوى من الناس بِسَببِ حماقاته لم يكن هكذا من قبلُ، و لكنها رفقة السوء يُؤسفني، يا بُنَي، أن أقول لك إنك لن تعود إلى المدرسة بعد اليوم أنت من سيُعينني في أعمال الحرث و الرعي بَدَل أخيك أنا لم أَعُدْ أُطيق رؤيته، و لولا كلام الناس لَطَردته من البيت
نزل الخبر كالصاعقة على حفيظ و مَرَّت الأيام، و صار يرى بنفسه حماقات أخيه و كان يَعجَب من نفسه كيف أن شعوره إزاء أخيه يتراوح بين البغض و الشفقة كان يُبغِضه لِما يَصدر عنه من أذى و كان يشفق عليه و على نفسه عندما يفكر و يتذكر ما قاله له أستاذه المراكشي عن الإبتلاء فكان يرى في هذا الأمر ابتلاءً، سواء لِأخيه أو له هو و لِأهله فَلم يكن يَجد بُدّاً من الصبر و رغم أن أخاه كان يَكبُره بعامين إلا أنه كان أقل قوة منه لذلك كان حفيظ يحرص على أن لا يتشاجر مع أخيه حتى لا يُؤذيه و كان يُكثر من ذِكر الله و يدعو لِأَخيه بالعفو و التوبة
و لم يَنسَ كلثوم، بنت الأستاذ كان يحلم بها رغم بُعدها و استِحالة العودة إلى بيت أبيها و كان يَعُدُّ ذلك أيضا من الإبتلاء فَظلَ يُكثِر من الذِّكرِ و الدعاء لَعَل الله يجعل له مَخرجا كانت في حقيبته الخاصة كُتيِّبات فيها كلام بليغ عن الوَلاية و الأولياء و عن مُجابي الدعوة نَصحه أستاذه المراكشي بِشِرائها و قرائَتِها
كان يُلاحظ، منذ عودته الأخيرة إلى بيت أبيه، اهتمام فتيات القرية به، فقد ذاع خَبرُ وسامته و كان يحرص على ارتداء ملابس جميلة حتى و هو يعمل في الحقل و كان يرى بعض هؤلاء الفتيات يَتَعَمدن المرور بالقرب من الحقل الذي يكون فيه لَعَلَّهن يُثِرن انتباهه أو يَنظرن إلى جماله عن قُرب لكنه لم يكن يلتفت إليهن و بقي يحلم بِكلثوم
أما أخوه فَلم يلبث أن اختفى و لم يعد يظهر له أثر، هو و لا جماعة من خِلانه الذين حَكَمت عليهم القبيلة بالنفي
و مرت الأيام، فكان ذات يوم يَسيح في أرض الله، غير بعيد عن بلدته، و هو يقول كُلُّ الوُجود تَسبيحٌ و سُجود لله المعبود
كان يُلاحظ، منذ عودته الأخيرة إلى بيت أبيه، اهتمام فتيات القرية به، فقد ذاع خَبرُ وسامته و كان يحرص على ارتداء ملابس جميلة حتى و هو يعمل في الحقل و كان يرى بعض هؤلاء الفتيات يَتَعَمدن المرور بالقرب من الحقل الذي يكون فيه لَعَلَّهن يُثِرن انتباهه أو يَنظرن إلى جماله عن قُرب لكنه لم يكن يلتفت إليهن و بقي يحلم بِكلثوم
أما أخوه فَلم يلبث أن اختفى و لم يعد يظهر له أثر، هو و لا جماعة من خِلانه الذين حَكَمت عليهم القبيلة بالنفي
و مرت الأيام، فكان ذات يوم يَسيح في أرض الله، غير بعيد عن بلدته، و هو يقول كُلُّ الوُجود تَسبيحٌ و سُجود لله المعبود
من حين لآخر كان يرفع عينيه إلى المنحدرات العليا للجبل إلى اليسار وإلى حقول الكروم والزيتون إلى اليمين. لم يكن هناك سوى قِلة من الناس يشاركونه هذا الطريق الرملي الطويل. ومع اقترابه من القرية التي كان يقصدها، ظهر المزيد والمزيد من الناس. ولكن عندما وصل إلى بوابة السجن لم يجد أحداً. لم يجد سوى آثار أقدام، بعضها تعرف عليها بسهولة. كانت آثار أقدام أخيه الأكبر واضحة للغاية. قادته آثار الأقدام هذه إلى الشاطئ. كان كل أفراد العصابة هناك، متجمعين على صخرة تواجه البحر. لم يتوقفوا عن الحديث عندما سلم عليهم. حتى شقيقه لم ينهض ليعانقه. كانوا جميعًا يتجادلون حول الأسماء. قال أحدهم: دعونا نسميه سيدي إبراهيم. اقترح آخرون أسماء أخرى: مولاي أحمد، سيدي عباد، سيدي سعيد، سيدي العربي... أخيرًا، نهض أحدهم وقال: اسمعوا! سنسميه سيدي بوشاشية! وافق الجميع وكأنهم لاحظوا للتو الشخص الذي كان يستمع إليهم دون أن يفهم، قال اثنان منهم في انسجام: حفيظ، إذا كنت تريد أن تبقى على الجانب الآمن، فاحذر من لسانك. انحنى حفيظ برأسه كَمَن يُفَكر ولم يقل شيئًا. ثم نهض الآخرون جميعًا على أقدامهم وسرعان ما كانوا بجوار الأمواج الهادرة.
وبِفم مغلق وعينين مفتوحتين، تبع حفيظ العصابة وهم يبحثون عن حُطامِ مَركب، فوجدوه على بعد ثلاثة أميال تقريبًا. وكانوا جميعًا يمزحون ويضحكون أثناء تفكيك الحطام، الذي صنعوا منه نعشًا. وحمل أربعة من الرجال الاثني عشر النعش الفارغ على أكتافهم. وتبعهم الآخرون في صمت. ثم توقفوا عند بقايا حمار ميت. وصاح صوت أَدهم مبتهجًا: ها هو!
وراقب حفيظ واستمع بدهشة بينما كان أفراد تلك العِصابة من أهل قريته يلتقطون بقايا الحمار الميت الجافة، ولَفُّوها بقطعة قماش بيضاء ووضعوها أفقيًا داخل النعش. ثم توجه الموكب إلى القرية، قرية حفيظ وجميع الآخرين. وبعد ساعتين، كانوا هناك. وجاء شخص إلى حفيظ وسأله:
ما هذا يا حفيظ؟ من يحمل هؤلاء الناس على أكتافهم؟ كيف يجرؤون على العودة الآن ء بعد سبعة أشهر فقط من نفيهم؟ ألم يكونوا قد نفوا لمدة عام كامل؟ تكلم! أجبني!
قال حفيظ، وهو يواصل حديثه، لا أعرف
ما هذا يا حفيظ؟ من يحمل هؤلاء الناس على أكتافهم؟ كيف يجرؤون على العودة الآن ء بعد سبعة أشهر فقط من نفيهم؟ ألم يكونوا قد نفوا لمدة عام كامل؟ تكلم! أجبني!
قال حفيظ، وهو يواصل حديثه، لا أعرف
طرح إمام المسجد المحلي أسئلة مماثلة وأكثر عندما وقف الرجال الاثنا عشر في الساحة الصغيرة أمام المسجد، مصطفين خلف النعش، الذي خرجت منه رائحة غريبة كريهة. تجمع حشد ضخم حول الساحة واستمعوا بدهشة بينما بدأ أحد "أفراد العِصابة" في الإجابة على أسئلة الإمام:
أنت على حق يا إمامنا الجليل! أستطيع أن أفهم أنك لا تستطيع أن تفهم كيف أصبحنا على ما نحن عليه الآن. لقد كنت تنظر إلينا دائمًا باعتبارنا عصابة. وكنا عصابة بالفعل. كنا نشرب الخمر وعندما نسكر كنا نقترب من منازلكم ونقول أشياء سيئة تؤذيكم. نحن نعلم أنك كنتم غاضبين منا. لقد ضربتمونا مرات عديدة لأننا لم نَتُب، ثم نفيتمونا لمدة عام كامل. وعندما كنا بعيدًا، فعلنا أشياء فظيعة، مما أدى إلى سجننا. كان السجن عقابًا لنا، كما كان النفي. ولكن لحسن الحظ، تبين أنه أمر جيد بالنسبة لنا. وهذا ليس كذبًا يا إمامنا الجليل. لقد التقينا بالفعل في السجن برجل غيَّرَنا. لقد أضاء لنا طريق التوبة. ثم أطلق سراحنا جميعًا في نفس اليوم، وكان هذا الرجل ءرضي الله عنهء قادمًا معنا إلى قريتنا، لكنه مات فجأة في الطريق. "لم نستطع دفنه، أعني أننا لم نكن نريد دفنه في أي مكان آخر غير قريتنا. هذا رجل صالح، ما تراه في هذا النعش وَليّ، يا إمامنا الجليل! ولهذا السبب أحضرنا جثته إلى هنا على أمل دفنها بيننا. نحن نثق، ويمكنك أن تثق بنا، أنه طالما أن قبر سيدي بوشاشيا قريب، فلن نعود أبدًا كما كنا من قبل. نطلب منك العفو عن كل ما فعلناه. ونعدكم بأننا لن نؤذيكم مرة أخرى. هذا كل ما أستطيع قوله، يا إمامنا الجليل.
استمر الحديث لمدة نصف ساعة أو نحو ذلك، وفي النهاية، قال أهل القرية نعم لالتماس التائبين العفو و المغفرة، ولا لالتماسهم دفن غريب في أراضيهم. لذا حمل التائبون النعش وغادروا القرية بأعين دامعة. ذهبوا إلى السوق الأسبوعي. تجولوا، والنعش على أكتافهم، يشرحون قصتهم لمن أراد الاستماع. اقترب منهم رجل وقال: سأعطيكم قطعة أرض حيث يمكنكم دفن هذا الرجل الصالح في الوقت الحالي. وفي غضون ذلك، سأحاول إقناع أهل قريتكم بتغيير رأيهم.
كان المكان الذي أعطي للتائبين قطعة أرض صغيرة بالقرب من الشاطئ. كان المتبرع يرمي نفاياته هناك. لكن التائبين نَظفوا المكان ودفنوا الجثة و بَنوا عليها قُبَّةً وزرعوا شجيرات حولها. ثم اعتادوا على المجيء إلى الضريح كل يوم جمعة لِإظهار إجلالِهم لهذا الولي. قدموا الشموع وقطع السكر والعملات المعدنية. سرعان ما بدأ أشخاص آخرون يفعلون الشيء نفسه. وأصبح سيدي بوشاشية يصبح مثل أي ولي صالح آخر بعد أن انتشرت شائعات بأنه يصنع المعجزات، فكان يأتيه المرضى، وكل من يحتاج إلى طفل أو شريك حياة أو مجرد صحة جيدة أو حظ سعيد.
ولقد أصبح التائبون أنفسهم أشخاصاً مهمين للغاية. فقد تزوج شقيق حفيظ أجمل امرأة في القرية، وأصبحت زوجته سفيرة سيدي بوشاشيا في المنطقة. وقد خاف حفيظ على عقله عندما رأى أمه تقبل رأس أخيه وسمعها تتوسل إليه أن يدعو لها أثناء زياراته لسيدي بوشاشية. حتى أن الإمام أعلن علناً أنه آسف على رفضه دفن سيدي بوشاشية في القرية. ناهيك عما قاله العديد من شيوخ القرية! وعندما علم حفيظ بعد عامين أن موسماً سنوياً سيقام لسيدي بوشاشية، كاد ينهار. وفي غضون ذلك، تم التبرع بمزيد من الأراضي للولي الصالح، و تم بناء ضريح رائع لسيدي بوشاشية، وأقيم أول موسم بعد عام واحد ولم يستطع حفيظ أن يفعل شيئاً حيال ذلك. بل إنه ذهب إلى هناك بحثاً عن زوجة. كان يريد أن يجد امرأة أجمل من زوجة أخيه. أراد أن يثبت للناس أن الله أعطى المؤمنين أفضل بكثير مما أعطى المشركين والوثنيين.
وكان عدد النساء، صغيرات وكبيرات السن، اللاتي حضرن إلى الموسم ـ على الأقدام وعلى ظهور الحمير ـ لا يحصى. ولم يكن بوسع حفيظ أن يرى كل النساء (بسبب حجابهن)، ولكنه ظل يتجول في الأرض الشاسعة التي أقام عليها التجار والباعة دكاكين مؤقتة لهذه المناسبة. وكان حفيظ يتجول بشكل خاص بين الدكاكين والأكشاك التي تبيع أشياء للنساء. وفجأة سمع أصواتاً متشاجرة. ومثل كثيرين غيره، اندفع نحو الضريح ليرى ما يحدث. وشق طريقه عبر قطعان الأغنام والماعز والدجاج التي قُدِّمَت كقرابين للضريح. ثم رأى أحد التائبين، من أصحاب أخيه، يُلَوِّح بسكين ويُهدد رجلاً في منتصف العمر ذا لحية بيضاء طويلة. وكان عدد كبير من الناس يحاولون الوقوف بين الرجلين. ولكن الرجل ذا اللحية البيضاء كان يقول أشياء لا تستطيع حتى أكثر النفوس صبراً في الموسم أن تتحمل سماعها. فقال في تحد: لِيقتلْني! أنا أعرفه جيداً. أعرف كل رفاقه من أفراد العصابة جيداً. لقد كان لدي إحساسٌ بِأنهم سيفعلون ذلك. كنت أعلم أنهم من النوع الذي يموت من أجل المال. قلت لهم مازحاً: إذا دفنتم حماراً ميتاً في قبر وبدأتم في تقديسه، فإن أمثالكم سيفعلون الشيء نفسه، وعندها ستصبحون أشخاصاً مهمين، وبالتالي يمكنكم الاستفادة من ذلك من خلال البيع للزوار في موسم واحد أكثر مما تبيعه المحلات العادية في عام! يا ناس! اسمعوا لي! سيدي بوششية هذا ليس سوى حمار ميت! وهؤلاء الرجال الذين تسمونهم "التائبين" ما هُم إلا أشخاص يريدون جني الأموال من هذا الموسم! في تلك اللحظة، خرج شخص من بين الحُشود وطعن الرجل ذا اللحية البيضاء في ظهره. عندما سقط الرجل ذو اللحية البيضاء على الأرض، بدأ الناس يركضون في كل الاتجاهات. ألقى حفيظ نظرة حائرة على أخيه وهرع بعيداً.
وفي صباح اليوم التالي، وصلت الأخبار بأن الضريح قد أُحرِق. أما التائبون، فلم يعرف أحد إلى أين هربوا.
بقي حفيظ يفكر في الأمر أياما و ليالي طويلة قال في نفسه هذه القصة سَتُشَكك الناس في أمر الوَلاية و الأولياء الصالحين، فماذا عساي أفعل
بقي حفيظ يفكر في الأمر أياما و ليالي طويلة قال في نفسه هذه القصة سَتُشَكك الناس في أمر الوَلاية و الأولياء الصالحين، فماذا عساي أفعل
وذات مساء خرج من البيت قبل أن يُتِمَّ عَشاءه ظن أهله أنه أَلَمَّ به مرض أو ألم فقالوا له ما لك ثم سكتوا أما هو فقد خرج ليتوضأ ثم ذهب إلى المسجد حيث صلى العِشاء والشفع والوتر، ثم خرج ولم يَعد إلى البيت توجه إلى تَلَّةٍ كان يذهب إليها بين الفينة والأخرى لِيَذكر الله و يتأمل الوُجود توجه إلى هناك وهو يقول بصوت مسموع
يا من خلق كل شيء فَقَدر وهدى، يا من أحصى كل شيء عددا، ولم يُشرك في حُكمه أحدا، اللهم لك الحمد أبدا
يا رفيعَ الجَناب، يا عزيز يا وهاب، اللهم لك الحمد بلا حساب
يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النور الذي لا يُطفأُ سرمدا، يا كريم يا منان، يا ذا الجود والإحسان، يا أجوَد الأجودين، يا قادر يا قدير، يا عليُّ يا كبير، يا لطيف يا خبير، يا عزيز يا حكيم، يا بَرُّ يا رحيم، يا الله، يا رَبَّ العِزة، يا ذا المَنِّ القديم، يا عظيم، يا من لا إلاه إلا أنت، يا مليك يا رشيد، يا عزيز يا حميد، يا ذا العرش المجيد، يا من أنت الله الواحد القهار، وحَسبُك أنك أنت الله العزيز الغفار، يا غني يا حميد، يا ولي يا حميد، يا وليِّي في نَعمتي، وصاحبي في وحدتي، ويا عُدَّتي في كُربتي، لا حول ولا قوة إلا بك، لك الحمد في الأولى والآخرة
سبحانك اللهم وبحمدك على وُجودك وإيجادنا و على جودك وإِمدادِنا، يا حي يا قيوم، أستغفرك و أتوب إليك، لا إلاه إلا أنت، والله أكبر
اللهم إني أشهد أني لا أستحق جرعة ماء، لولا أنك تواب رحيم
يا الله، يا من يقبل الودائع ولا يَبخس المُعاملين، يا حليم يا كريم، يا رب العرش العظيم، يا كثير الإِنعام، يا ذا الجلال و الإكرام، يا سميع الدعاء، يا كاشف البلاء، يا مُنتى الرجاء، يا مُنية الأولياء، يا بهجة الأصفياء، يا رَب السخاء و البهاء، يا من لا شريك له و لا نظير له، يا بديع السماوات و الأرض، يا من يُطعِم و لا يُطعَمُ و لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، يا غفور يا صبور، يا جميل أنت أولى بالجميل، يا من هو كل يوم في شأن، وله كلَّ يوم في خليقته أمرُ، أنت ثقتي و رجائي، ذِكرك شِعاري، وثَناؤٌك دِثاري، تشريفا لِعَظَمتك، وتكريما لِسُبحات وجهك
اللهم إنك تعلم حاجتي قبل أن أسألَكَها، لا يعزُبُ عنك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا يُعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، تقول للشيء كن فيكون، وأنا العبد الفقير إليك، أفزعُ إليك وحدك، و لا أقصد أحدا بَعدك
اللهم عالم الغيب والشهادة، يا كبير يا مُتعال، اللهم رَبَّ الجلال والجمالِ، اللهم رب الكمال والمَعالي، اللهم بفضلكَ حَقِّق لي آمالي
اللهم أنت غَياثي بك أستغيث، وأنت مَلاذي بك ٱلوذ، وأنت عَيَّاذي بك أعوذ، اللهم إني أسألك بقدرتك التي تُمسك بها السماوات السبع أن يقع بعضهم على بعض أن تُجيرني من خِزيِك ومن شَر عِبادك اللهم اصرِف عني ما أُطيق وما لا أُطيق اللهم بِمَنك و كَرمك، وبِحَقِّ الباقيات الصالحات، ارزقني مَودةَ من تُحب مِن خَلقك وجُدْ عَلَيَّ منك بِخَير يا أرحم الراحمين
يا من رِضاه في قَلب التَّقي أشهى من كل شهي و أبهى من كل بهي وأطيب من ريح الجنة، يا فالق الحَبِّ والنوى، يا مُطفِئَ نار الجوى، يا من يَبُث الرحيق في الأزهار، يا من يَخلق أَلَذ المَذاق في الثِّمار، يا سامع الأبرار بِالأسحار، يا من يُدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار، يا رَب الشرقين و المغربين، يا من مَرج البحرين، يا رب الملك والملكوت، يا رب العِزة والجبروت، سَما إِسمك في الأرض والسَّما، يا من أنت في السماء إلاه وفي الأرض إلاه، لك تَسجدُ القلوب والجِباه، كل الوجودْ تسبيحٌ و سجودْ لكَ يا مجيدُ يا ودودْ، يا من رَفع السماء بغير عَمَد، وأنعم على العِباد بغير عَدد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، الإشراكُ بك عَجَب، والإذعان لك أَدَب، والإخلاص لك ذَهَب، تباركت يا رب وتعاليت، يا أكرم الأكرمين، يا رب العالمين، يا رفيع الدرجات، يا زَيْنَ العَطِيات، لا مانع لِما أعطيت، ولا مُعطيَ لما مَنعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجَد، سَبق إِحسانك شُكر الشاكرين و حُب المُحبين، ما تفعل بخشوع العابدين ودموع التائبين وأنت الغفور الشكور غني عن العالمين أنت، حميد في العالمين أنت، سعيد من عَبَدك أنت، محظوظ من سَجد لك أنت، فكيف لا أطمع في رحمتك و أنت أنت
اللهم يا عليم يا حليم، يا علي يا عظيم، يا رؤوف يا رحيم، اللهم يا رفيق ارفق بي، ولا تَكِلني إلى أحد من خلقك، حسبي أنت وحدك لا إلاه إلا أنت، يا ناصر موسى وهارون، يا قاهر فرعون وقارون، انصرني على هَوايْ، وحَقِّق لي رَجايْ، وأَفرحني بِفضلك ورحمتك في حياتي وبعد مَماتي، يا الله
يا رفيعَ الجَناب، يا عزيز يا وهاب، اللهم لك الحمد بلا حساب
يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النور الذي لا يُطفأُ سرمدا، يا كريم يا منان، يا ذا الجود والإحسان، يا أجوَد الأجودين، يا قادر يا قدير، يا عليُّ يا كبير، يا لطيف يا خبير، يا عزيز يا حكيم، يا بَرُّ يا رحيم، يا الله، يا رَبَّ العِزة، يا ذا المَنِّ القديم، يا عظيم، يا من لا إلاه إلا أنت، يا مليك يا رشيد، يا عزيز يا حميد، يا ذا العرش المجيد، يا من أنت الله الواحد القهار، وحَسبُك أنك أنت الله العزيز الغفار، يا غني يا حميد، يا ولي يا حميد، يا وليِّي في نَعمتي، وصاحبي في وحدتي، ويا عُدَّتي في كُربتي، لا حول ولا قوة إلا بك، لك الحمد في الأولى والآخرة
سبحانك اللهم وبحمدك على وُجودك وإيجادنا و على جودك وإِمدادِنا، يا حي يا قيوم، أستغفرك و أتوب إليك، لا إلاه إلا أنت، والله أكبر
اللهم إني أشهد أني لا أستحق جرعة ماء، لولا أنك تواب رحيم
يا الله، يا من يقبل الودائع ولا يَبخس المُعاملين، يا حليم يا كريم، يا رب العرش العظيم، يا كثير الإِنعام، يا ذا الجلال و الإكرام، يا سميع الدعاء، يا كاشف البلاء، يا مُنتى الرجاء، يا مُنية الأولياء، يا بهجة الأصفياء، يا رَب السخاء و البهاء، يا من لا شريك له و لا نظير له، يا بديع السماوات و الأرض، يا من يُطعِم و لا يُطعَمُ و لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، يا غفور يا صبور، يا جميل أنت أولى بالجميل، يا من هو كل يوم في شأن، وله كلَّ يوم في خليقته أمرُ، أنت ثقتي و رجائي، ذِكرك شِعاري، وثَناؤٌك دِثاري، تشريفا لِعَظَمتك، وتكريما لِسُبحات وجهك
اللهم إنك تعلم حاجتي قبل أن أسألَكَها، لا يعزُبُ عنك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا يُعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، تقول للشيء كن فيكون، وأنا العبد الفقير إليك، أفزعُ إليك وحدك، و لا أقصد أحدا بَعدك
اللهم عالم الغيب والشهادة، يا كبير يا مُتعال، اللهم رَبَّ الجلال والجمالِ، اللهم رب الكمال والمَعالي، اللهم بفضلكَ حَقِّق لي آمالي
اللهم أنت غَياثي بك أستغيث، وأنت مَلاذي بك ٱلوذ، وأنت عَيَّاذي بك أعوذ، اللهم إني أسألك بقدرتك التي تُمسك بها السماوات السبع أن يقع بعضهم على بعض أن تُجيرني من خِزيِك ومن شَر عِبادك اللهم اصرِف عني ما أُطيق وما لا أُطيق اللهم بِمَنك و كَرمك، وبِحَقِّ الباقيات الصالحات، ارزقني مَودةَ من تُحب مِن خَلقك وجُدْ عَلَيَّ منك بِخَير يا أرحم الراحمين
يا من رِضاه في قَلب التَّقي أشهى من كل شهي و أبهى من كل بهي وأطيب من ريح الجنة، يا فالق الحَبِّ والنوى، يا مُطفِئَ نار الجوى، يا من يَبُث الرحيق في الأزهار، يا من يَخلق أَلَذ المَذاق في الثِّمار، يا سامع الأبرار بِالأسحار، يا من يُدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار، يا رَب الشرقين و المغربين، يا من مَرج البحرين، يا رب الملك والملكوت، يا رب العِزة والجبروت، سَما إِسمك في الأرض والسَّما، يا من أنت في السماء إلاه وفي الأرض إلاه، لك تَسجدُ القلوب والجِباه، كل الوجودْ تسبيحٌ و سجودْ لكَ يا مجيدُ يا ودودْ، يا من رَفع السماء بغير عَمَد، وأنعم على العِباد بغير عَدد، يا من لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، الإشراكُ بك عَجَب، والإذعان لك أَدَب، والإخلاص لك ذَهَب، تباركت يا رب وتعاليت، يا أكرم الأكرمين، يا رب العالمين، يا رفيع الدرجات، يا زَيْنَ العَطِيات، لا مانع لِما أعطيت، ولا مُعطيَ لما مَنعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجَد، سَبق إِحسانك شُكر الشاكرين و حُب المُحبين، ما تفعل بخشوع العابدين ودموع التائبين وأنت الغفور الشكور غني عن العالمين أنت، حميد في العالمين أنت، سعيد من عَبَدك أنت، محظوظ من سَجد لك أنت، فكيف لا أطمع في رحمتك و أنت أنت
اللهم يا عليم يا حليم، يا علي يا عظيم، يا رؤوف يا رحيم، اللهم يا رفيق ارفق بي، ولا تَكِلني إلى أحد من خلقك، حسبي أنت وحدك لا إلاه إلا أنت، يا ناصر موسى وهارون، يا قاهر فرعون وقارون، انصرني على هَوايْ، وحَقِّق لي رَجايْ، وأَفرحني بِفضلك ورحمتك في حياتي وبعد مَماتي، يا الله
وصار يُردد هذه الكلمات حتى سالت الدموع من عينيه بقي على هذه الحال ساعات ثم أدركه النوم و هو جالس تحت شجرة في أعلى تلك التلة وفي الصباح الباكر عاد إلى منزل والديه وأخذ من حقيبته الخاصة الكُتَيب الذي كان قد حَفظ منه تلك الكلمات استمر في قراءة ذلك الكتيب وإعادة قراءته إلى أن خطرت بِباله فِكرة
فَلما كان من الغد، ودون أن يذكرَ شيئا لأبيه، ذهب إلى المدرسة التي كان يَدرس بها قال إنه إنما جاء في زيارة خاطفة ليلتقي بِزُملاء سابقين اشتاق إليهم كثيرا والحقيقة أنه إنما ذهب إلى هناك ليلتقي بذلك الأستاذ المراكشي الذي كان يُعِزه وفعلا التقى به و فرح به الأستاذ واستضافه في بيته، و قدمه مرة أخرى لابنته كلثوم وتجدد الحب في قلب حفيظ، لكنه جاهد نفسه حتى لا ينسى ما جاء لأجله
حكى حفيظ لأستاذه قصة أخيه ورفاقه عَبَّر الأستاذ عن أسفه، وقال رحم الله ابنَ عباس الذي قال ادفع بِحِلمك جهل من يجهل عليك أكاد ٱقول إن الرجل الذي طُعِن أخطأ مرتين في المرة الأولى أَوحى لِرفاق أخيك بفكرة لم يُقَدر خطورتها، وفي الأخير جاء ليفضحهم أمام الناس بَدَلَ أن يتوجه إلى أولي الأمر ومن بيدهم السلطة لكي يَحُلُّوا المشكلة دون إحداث فتنة غفر الله لنا و له والآن ماذا تريد
حكى حفيظ لأستاذه قصة أخيه ورفاقه عَبَّر الأستاذ عن أسفه، وقال رحم الله ابنَ عباس الذي قال ادفع بِحِلمك جهل من يجهل عليك أكاد ٱقول إن الرجل الذي طُعِن أخطأ مرتين في المرة الأولى أَوحى لِرفاق أخيك بفكرة لم يُقَدر خطورتها، وفي الأخير جاء ليفضحهم أمام الناس بَدَلَ أن يتوجه إلى أولي الأمر ومن بيدهم السلطة لكي يَحُلُّوا المشكلة دون إحداث فتنة غفر الله لنا و له والآن ماذا تريد
بصراحة، لقد فكرت طويلا قبل أن أقصدك وكما قلت لك، إني حَزنت كثيرا لهذا الخلط الذي صار في أذهان بعض الناس عندنا عن الولاية و الأولياء لذا، قلت في نفسي، لو أن مُحسنين تطوعوا وبَنَوا مدرسة كهذه التي التقينا فيها، وكانت بجانب المدرسة مَرافقُ تجارية، ربما كان في ذلك تعويض عَما خَسِره الناس
وبُنِيت المدرسة، وتنافس المحسنون في التبرع حتى إن الناس صاروا يتنافسون في إرسال أبنائهم إليها وكَثُرت المتاجر حول المدرسة، وشُقَّت طريق، وحَفَر الناس بِئرين، وعَمَّ الخير، وصارت حكاية الحِمار مُجرد نُكتة تُضحِك الأطفال
وعاد حفيظ إلى الدراسة، في تلك المدرسة، وكان يبيت في بيت أهله، واستأجر عُمَّالا يقومون بأعمال الحرث و الرعي في حقول أبيه وتجدد حُلمُ الأب بٱن يكون حفيظ عالما جليلا مثل جده الأكبر
وقبل أن يُصبح عالما جليلا مثل جده الأكبر تزوج حفيظ من كلثوم، بنت أستاذه
أما الرجل الذي طُعِن فقد نجا من الموت واعترف بأنه أخطأ لما فضح الشباب أمام الملأ و للتكفير عن خطئه لم يترك مسؤولا ولا رجلا صالحا إلا تَشَفَّع لديه حتى أُطلِقَ سراح التائبين وعادوا إلى القرية، وعاد أخو حفيظ إلى بيت أبيه، فوجد ابنه قد كَبُرَ، وأرسله إلى المدرسة، و قال له يا بُنَي، إذا سمعتَ حِمارا ينهق فَتذَكَّرْ الحِمارَ الذي كان سببا في إدخالك المدرسة
وقبل أن يُصبح عالما جليلا مثل جده الأكبر تزوج حفيظ من كلثوم، بنت أستاذه
أما الرجل الذي طُعِن فقد نجا من الموت واعترف بأنه أخطأ لما فضح الشباب أمام الملأ و للتكفير عن خطئه لم يترك مسؤولا ولا رجلا صالحا إلا تَشَفَّع لديه حتى أُطلِقَ سراح التائبين وعادوا إلى القرية، وعاد أخو حفيظ إلى بيت أبيه، فوجد ابنه قد كَبُرَ، وأرسله إلى المدرسة، و قال له يا بُنَي، إذا سمعتَ حِمارا ينهق فَتذَكَّرْ الحِمارَ الذي كان سببا في إدخالك المدرسة
الحَريرة
أخذ الرجل هاتفه واتصل بزميله في العمل و قال لقد تأخرتَ، يا صاحبي بعد دقائق قليلة لن نجدَ مكانا هنا فاعتذر له صاحبه وقال إنه اضطر إلى أن يحمل معه زوجته في السيارة لأن لها غرضا تقضيه في المدينة ولكنه، على أية حال، دخل الشارع عندها فقط جلس الرجل على كرسي واستأذن صاحب الكروسة في حجز مقعد لصاحبه فَردَّ عليه صاحب الكروسة بابتسامة وبكلمات ترحاب
وما هي إلا دقائق حتى وقفت السيارة في الجانب الآخر من الطريق ونزل منها زميله في العمل أخذ هذا الأخير مقعده إلى جانب الزبناء الذين يزيد عددهم عن عشرة و طلب هو أيضا طاسة حريرة و كأنه لم يأت إلى هنا إلا لأجل الحريرة زبناء آخرون كانوا يتناولون إما شايا أو قهوة و فجأة التفت إلى صاحبه وقال ولله لقد أحسنت لما دعوتني إلى هنا لم يسبق لي أن شربت مثل هذه الحريرة أنا ممتن لك
فقال له صاحبه ولكنك أنت لم تُحسن إذ تركت زوجتك في السيارة لا تشرب شيئا شعر الرجل بالخجل، فقال لصاحب الكروسة آلشريف، اعط السيدة التي في تلك السيارة فنجان قهوة، من فضلك
كان صاحب الكروسة منهمكا في إحضار ما طلبه الزبناء الذين أتَوا لِلتَّو، ولكنه مع ذلك أسرع في إعداد القهوة وحمل فنجانا و عَبَر الشارع وهو يلتفت يمينا و يسارا، فلما رأته المرأة يتجه نحوها فتحت نافذة السيارة، ولما اقترب منها أكثر ومَدَّ إليها فنجان القهوة وقال بالصحة، أحست بزلزال بداخلها لم تكن متأكدة ولكن ملامح هذا الرجل وصوته يُذكرانها بشخص لها معه قصة، والذي زاد من ريبتها وتَحيرها هو أن الرجل نفسه نظر إليها بعينين واسعتين وقال كلمة بالصحة بِبَحة في صوته ولما سلمها الفنجان ابتسم لها ابتسامة لاشك أن فيها رسالةً ما
كان صاحب الكروسة منهمكا في إحضار ما طلبه الزبناء الذين أتَوا لِلتَّو، ولكنه مع ذلك أسرع في إعداد القهوة وحمل فنجانا و عَبَر الشارع وهو يلتفت يمينا و يسارا، فلما رأته المرأة يتجه نحوها فتحت نافذة السيارة، ولما اقترب منها أكثر ومَدَّ إليها فنجان القهوة وقال بالصحة، أحست بزلزال بداخلها لم تكن متأكدة ولكن ملامح هذا الرجل وصوته يُذكرانها بشخص لها معه قصة، والذي زاد من ريبتها وتَحيرها هو أن الرجل نفسه نظر إليها بعينين واسعتين وقال كلمة بالصحة بِبَحة في صوته ولما سلمها الفنجان ابتسم لها ابتسامة لاشك أن فيها رسالةً ما
عاد زوجها إلى السيارة وقال وهو يُشَغل المحرك اليوم شربت أحلى وأحسن حريرة في حياتي زميلي في العمل هو الذي دعاني إلى هذا المحل ولم تَزِد هي على أن قالت بالصحة
مرت أيام قليلة فعادت لطيفة، وهذا اسمها، إلى ذلك المكان نزلت من سيارة أجرة كبيرة في نفس المكان الذي كان زوجها قد أوقف فيه سيارته لما أتى لشرب الحريرة كانت ترتدي نقابا لا يُظهِر منها شيئا وعلى عينيها وضعت نظارتين سَوداوَين سَميكَتين يستحيل معهما رؤية عينيها انتظرت إلى أن خَلا الشارع من كل سيارة ودراجة وانطلقت ماشية بِتُئدة باتجاه الكروسة فوقفت غير بعيد عنها وتظاهرت بأنها تنتظر سيارة أجرة أو غيرها ولكنها كانت في الحقيقة تسترق النظر لتعرف قصة الكروسة وقصة صاحبها عرفت أن الكروسة مجرد عربة صغيرة تُدفع باليد كان صاحبها يضع في الجانب الأسفل منها برمة كبيرة فيها حريرة، وإلى جانبها ثلاث سخانات من الحجم الكبير يبدو أن فيها الشاي والقهوة والحليب وفي الجانب الأعلى وضع أواني التقديم من كؤوس وصحون و طاسات، إضافة إلى مِجمر صغير لإعداد العجة كما أن هناك ما يكفي الزناءَ من الخبز
لم تُطِل لطيفة المُكوث في ذلك اليوم حتى لا تُثير الشكوك لكنها عادت فيما بعد وعرفت أن صاحب الكروسة إنما هو ذلك الرجل الذي كان يوما في بداية العشرينات من عمره لَما عَبَّر لها على انفراد عن رغبته في الزواج منها عرفت أنه هو لما ناداه أحدهم باسمه، حميد رفضته في ذلك اليوم و تزوجت غيره، وهاهي اليوم تطرح على نفسها أسئلة
مرت أيام قليلة فعادت لطيفة، وهذا اسمها، إلى ذلك المكان نزلت من سيارة أجرة كبيرة في نفس المكان الذي كان زوجها قد أوقف فيه سيارته لما أتى لشرب الحريرة كانت ترتدي نقابا لا يُظهِر منها شيئا وعلى عينيها وضعت نظارتين سَوداوَين سَميكَتين يستحيل معهما رؤية عينيها انتظرت إلى أن خَلا الشارع من كل سيارة ودراجة وانطلقت ماشية بِتُئدة باتجاه الكروسة فوقفت غير بعيد عنها وتظاهرت بأنها تنتظر سيارة أجرة أو غيرها ولكنها كانت في الحقيقة تسترق النظر لتعرف قصة الكروسة وقصة صاحبها عرفت أن الكروسة مجرد عربة صغيرة تُدفع باليد كان صاحبها يضع في الجانب الأسفل منها برمة كبيرة فيها حريرة، وإلى جانبها ثلاث سخانات من الحجم الكبير يبدو أن فيها الشاي والقهوة والحليب وفي الجانب الأعلى وضع أواني التقديم من كؤوس وصحون و طاسات، إضافة إلى مِجمر صغير لإعداد العجة كما أن هناك ما يكفي الزناءَ من الخبز
لم تُطِل لطيفة المُكوث في ذلك اليوم حتى لا تُثير الشكوك لكنها عادت فيما بعد وعرفت أن صاحب الكروسة إنما هو ذلك الرجل الذي كان يوما في بداية العشرينات من عمره لَما عَبَّر لها على انفراد عن رغبته في الزواج منها عرفت أنه هو لما ناداه أحدهم باسمه، حميد رفضته في ذلك اليوم و تزوجت غيره، وهاهي اليوم تطرح على نفسها أسئلة
ربما كانت ستنسى الموضوع لولا أن زوجها صار يُكثر من الكلام عن الحريرة منذ أن دعاه زميله في العمل إلى تناولها عند صاحب الكروسة فأقسمت أن تذوق من حريرة ذلك الرجل رغم ما وقع لها بسبب الحريرة ورغم كل الحساسية التي لها تجاه الحريرة فذهبت في يوم من الأيام تحمل آنية فارغة وطلبت من صاحب الكروسة أن يملأها لها حريرة وعادت إلى الشقة حيث تسكن مع زوجها في إحدى الإقامات الراقية على أطراف المدينة واختارت الوقت المناسب وأخذت كل الإحتياطات حتى لا يقع لها شيء بسبب الحريرة وحتى لا يفتضح أمرها كما كانت قد أخذت كل الإحتياطات حتى لا يعرفها صاحب الكروسة، إذ ذهبت عنده مُرتدية النقاب مع النظارتين وأشارت إلى الحريرة بيدها ولم تنبس ببنت شفة وشربت الحريرة لأول مرة منذ أن وقعت لها تلك الواقعة في صِغرها
ذاقت الحريرة وفهمت لمَ صار زوجها وزميله، وهما إطاران كبيران في وكالة توزيع الماء والكهرباء، يترددان على صاحب الكروسة مع عمال متواضعين يعملون في البناء أو النجارة أو كسائقي شاحنات وسيارات نقل البضائع كانا يجلسان هناك بزيهما الرسمي ولم يكن أحد غيرهما يرتدي ربطة عنق فَهمتْ الآن سِحر الحريرة وأن السر في الحريرة ولكن مَن أعد هذه الحريرة، يا ترى هل هو صاحب الكروسة هل هي زوجته هل تزوج هل هي أمه هل ما يزال يعيش مع أمه أسئلة كثيرة حيرت لطيفة والذي زاد من قلقها هو قرب شهر رمضان فهذا العام الخامس لزواجهما وفي كل مرة يأتي فيها شهر رمضان تتدهور علاقتهما، وخاصة عندما يزوره أهله في شقته ولا يجدون حريرة فوق المائدة صحيح، إن لطيفة طباخة ماهرة، تتقن جميع الأطباق إلا أنها لا تُعِد الحريرة أبدا، وشرحت لزوجها ولأهله أن لها حساسية تجاه الحريرة وأنها لا تطيق حتى مجرد النظر إليها ومما زاد الأمر تعقيدا أنها لم تَلد أطفالا لزوجها بعد كل هذه المدة وفوق هذا وذاك، صاحب الكروسة يعرف سِرها إن تيقن بأنها هي و تخشى أن ينتقم منها بِذكر قصتها مع الحريرة لزوجها الذي أصبح مُدمنا على كروسته فهو يعرف القصة ويعرف الآن زوجها وقد يكون شعر بالغيرة لِحد الرغبة في الإنتقام فماذا عساها تفعل لقد فكرت في كل شيء بل إنها خطر ببالها أن تستأجر من يُغافل صاحب الكروسة لِيرمي فأرة أو شيئا ما يكون سببا في تلطيخ سمعة الكروسة فَيَعاف زوجها حريرته ويبتعدَ عن طريقه ورُبما كَرِه هو أيضا الحريرة بِرمتها كما كرهتها هي
لما زاد قلقها وزادت حيرتها قررت أن تبوح بالسر إلى زوجها فاختارت الوقت المناسب، وقالت إذا أَمَّنتني فسأصارحك بقصتي مع الحريرة أعطاها زوجها الأمان فبدأت الحكاية
ذاقت الحريرة وفهمت لمَ صار زوجها وزميله، وهما إطاران كبيران في وكالة توزيع الماء والكهرباء، يترددان على صاحب الكروسة مع عمال متواضعين يعملون في البناء أو النجارة أو كسائقي شاحنات وسيارات نقل البضائع كانا يجلسان هناك بزيهما الرسمي ولم يكن أحد غيرهما يرتدي ربطة عنق فَهمتْ الآن سِحر الحريرة وأن السر في الحريرة ولكن مَن أعد هذه الحريرة، يا ترى هل هو صاحب الكروسة هل هي زوجته هل تزوج هل هي أمه هل ما يزال يعيش مع أمه أسئلة كثيرة حيرت لطيفة والذي زاد من قلقها هو قرب شهر رمضان فهذا العام الخامس لزواجهما وفي كل مرة يأتي فيها شهر رمضان تتدهور علاقتهما، وخاصة عندما يزوره أهله في شقته ولا يجدون حريرة فوق المائدة صحيح، إن لطيفة طباخة ماهرة، تتقن جميع الأطباق إلا أنها لا تُعِد الحريرة أبدا، وشرحت لزوجها ولأهله أن لها حساسية تجاه الحريرة وأنها لا تطيق حتى مجرد النظر إليها ومما زاد الأمر تعقيدا أنها لم تَلد أطفالا لزوجها بعد كل هذه المدة وفوق هذا وذاك، صاحب الكروسة يعرف سِرها إن تيقن بأنها هي و تخشى أن ينتقم منها بِذكر قصتها مع الحريرة لزوجها الذي أصبح مُدمنا على كروسته فهو يعرف القصة ويعرف الآن زوجها وقد يكون شعر بالغيرة لِحد الرغبة في الإنتقام فماذا عساها تفعل لقد فكرت في كل شيء بل إنها خطر ببالها أن تستأجر من يُغافل صاحب الكروسة لِيرمي فأرة أو شيئا ما يكون سببا في تلطيخ سمعة الكروسة فَيَعاف زوجها حريرته ويبتعدَ عن طريقه ورُبما كَرِه هو أيضا الحريرة بِرمتها كما كرهتها هي
لما زاد قلقها وزادت حيرتها قررت أن تبوح بالسر إلى زوجها فاختارت الوقت المناسب، وقالت إذا أَمَّنتني فسأصارحك بقصتي مع الحريرة أعطاها زوجها الأمان فبدأت الحكاية
أنتَ عرفتني عندما كنتُ أعمل في المخبزة التي كنتَ تشتري منها الخبز لم تكن تعرف عني شيئا ولما طلبتَ لقائي فرحت فرحا لم أفرح مثله من قبل أنا لم أكن أطمع في مالك، ولم أكن أطمع حتى في لقائك ولكني خشيتُ أن تعرفَ أني وُلدتُ ونشأت في أحد أحياء الصفيح نعم، كنتُ أسكن مع أهلي في حي الأمل، ولكن قبل ذلك كنا نسكن في حي قصديري واستفاذت أسرتي من عملية إعادة الإيواء وعندما كنا نسكن في ذلك الحي القصديري كانت لنا علاقة خاصة مع أسرة من بني عمومتي، كانت تسكن في دوار من دواوير البناء العشوائي
كنا نتبادل الزيارات، وكنت أنا وأخي الأصغر نفرح باللعب مع أبناء تلك الأسرة عندما نلتقي عندنا أو عندهم وفي رمضان كنا نفطر مرة ويفطرون عندنا مرة كل يومين أو ثلاثة
وذات يوم كان من المقرر أن تأتي تلك الأسرة لتفطر عندنا وكانت أمي قد وضعت برمة الحريرة فوق قنينة الغاز الصغيرة وخرجت لقضاء غرض ما وأثناء غيابها دخلتُ أنا إلى المطبخ أبحث عن قطعة خبز فَلم أنتبه وصدمتُ البرمة حتى سقطتْ من على قنينة الغاز وتدفقت الحريرة على الأرض وأمام هَول الصدمة هرعتُ إلى خِرقة التنظيف، الجَفَّاف، الذي كنا ننظف به فناء المنزل، وبدأت أجمع الحريرة بالجَفَّاف وأَعصِرهُ في البرمة بعد أن أَعَدتها إلى مكانها فوق قنينة الغاز لم يَبق على الأرض أثر للحريرة، لكن لما كنت على وشك أن أذهب إلى الحَمَّام لِأغسل الجَفَّاف حتى أُزيلَ منه آثار الحريرة فوجئتُ بأخي الأصغر يَطرق باب المنزل عرفت أنه هو من طريقة طَرقه الباب، فَحِرتُ أين أضع الجَفَّاف الذي بيدي وما تزال فيه آثار الحريرة لم يكن لدي إلا ثَوانٍ للتفكير فَرميتُ بالجَفَّاف داخل برمة الحريرة وأَعَدْتُ غطاء البرمة إلى مكانه وخرجت أتظاهر باللعب مع الصبيان في الزنقة
وفي المساء، جاء الضيوف، واصطف الجميع أمام التلفاز، وضحكوا هم و أهلي وَهُم يتناولون الشاي والحلويات والمُكَسرات وجاء وقت الحريرة وأَدخَلت أمي المغرفة في البرمة، وحَرَّكت المغرفة، وقالت ما هذا الذي في البرمة إنه أمر غريب ثُم عَلِقَ الجَفَّاف بالمغرفة وأَخرجته أمي أمام ذُهول الجميع، و قيل مَن فعل هذا وعَرفوا أنني صاحبةَ تلك الفعلة، فَعَذبوني عذابا مازال يُبكيني إلى اليوم لذلك لَم أَذق طعم الحريرة منذ يومئذ، وصرتُ أكره رائحتها بل حتى النظر إليها هل فَهِمتَ الآن لِمَ لا أستطيع أن أُعِدَّ لك الحريرة أَما أنا فَأفهم صَمتك، يا رَيان أشعُر بأني صدمتك بهذا الكلام، لكن هذه هي الحقيقة قُلتها لك بنفسي قبل أن تسمعها من غيري قلتها لك لأن الرجلَ الذي اعْتَدْتَ مؤخرا على التردد على كروسته هو فَردٌ من أفراد تلك الأسرة وهذا الرجل كان قد عَرَضَ علي الزواج ورَفضته، وخَشيتُ أن ينتقم مني بِسَرد هذه القصة لك بطريقة قد لا تفهمها الآن بإمكانكَ أن تسأله هو و أسرته لِتَتَأكد مما قلتُ لك
كانت لطيفة تتوقع أن تسمع من زوجها ريان عِبارات مثل تْفو ، يَعْ ، أو أسوأَ من ذلك لكنه لم يقل شيئا تَركها تحكي حِكايتها إلى النهاية، ثم قال تُصبحين على خير هي أيضا توقفت عن الكلام و أطفأت ضوء المصباح
وفي الصباح، خرج ريان دون أن يتناول الفطور مع زوجته كانت تلك أولَ مرة منذ زواجهما تمنت لو يقول لها أي شيء، ولكنه لم يقل شيئا دَبَّ الفُتورُ إلى علاقتهما وكُلما اقترب شهر رمضان زادت لطيفة قلقاً واضطِرابا كانت تخشى أن تستغل أم ريان و أَخَواته موضوع الحريرة لِتحريضه على تطليقها حتى لا يُظهِروا له أن السبب الحقيقي هو عدم قدرتها على الإنجاب
وجاء رمضان، وحصل ما كانت تخشاه لطيفة وقع شِجار بينها وبين زوجها لم ينفع معه شيء وتَمَّ الطلاق وعادت لطيفة إلى بيت أهلها في حي الأمل وعادت إلى العمل الذي كانت قد تخلت عنه مباشرة بعد زواجها من ريان وبدأت تشعر بِثِقل نظرة الناس إليها
حينما كانت في بيت ريان، كَرَبَّة بيت، كانت أشغال البيت كثيرة، كانت تقوم بها لوحدها، وكان لها مع ذلك الوقت لتُشاهد التلفزيون وتتصفحَ مواقع التواصل الإجتماعي وكانت تُتابع كل ما له صلة بالطلاق كانت تعلم أن بعض النساء كُن يتزوجن وَهُن يَنوين الطلاق بمجرد أن يَتِم الزواج، وكُن يَقُلن إن للمطلقة مكانة في المجتمع وفي أعين الرجال وأن الطلاق حُرية، وأن قيمة المُطَلقة تزيد عن قيمة التي لم تتزوج بعدُ سمعت لطيفة كل ذلك أثناء زواجها ولَم تُصَدقه وعندما جربت الطلاق بالفعل تأكدت بأنه عذاب فهي لم تتزوج ريان عن حُب كانت تحب رجلا آخر هي تزوجت ريان لأن فيه الأوصاف التي كانت تحلم بها أمها أمها أمية جاءت من البادية ما يهمها في الرجل هو جيبه ومكانته الإجتماعية وهذا الذي جعل لطيفة ترفض حميد، ابن عمها رفضته، وإن كانت تُعجبها فيه بعض الخِصال، لأنه كان مضرب المثل في الفشل كان يُقال عنه داخل العائلة فلان صْكَعْ، فُلان سبع صنايع والرزق ضايع، وكذلك كان فَلم يترك حرفة إلا جربها، وبقي كما هو في مكانه لم يتحرك مَرَّت السنون و الأعوام ولم يتحقق له شيء وضَجِر منه حتى أهله عرفت لطيفة كل ذلك قبل أن تنقطع الصِّلة بين الأسرتين فقد مَرَّ ما يزيد عن عشرين عاما على آخر مرة رأته فيها قبل أن تراه وهو صاحب كروسة وحتى الآن لا تعرف شيئا عَمَّا جرى له أثناء هذه الأعوام ولكنها وجدت نفسها تُفكر فيه وفي نفس الوقت تُمَني النفْسَ بأن تعود يوما ما إلى بيت زوجها السابق ريان
حينما كانت في بيت ريان، كَرَبَّة بيت، كانت أشغال البيت كثيرة، كانت تقوم بها لوحدها، وكان لها مع ذلك الوقت لتُشاهد التلفزيون وتتصفحَ مواقع التواصل الإجتماعي وكانت تُتابع كل ما له صلة بالطلاق كانت تعلم أن بعض النساء كُن يتزوجن وَهُن يَنوين الطلاق بمجرد أن يَتِم الزواج، وكُن يَقُلن إن للمطلقة مكانة في المجتمع وفي أعين الرجال وأن الطلاق حُرية، وأن قيمة المُطَلقة تزيد عن قيمة التي لم تتزوج بعدُ سمعت لطيفة كل ذلك أثناء زواجها ولَم تُصَدقه وعندما جربت الطلاق بالفعل تأكدت بأنه عذاب فهي لم تتزوج ريان عن حُب كانت تحب رجلا آخر هي تزوجت ريان لأن فيه الأوصاف التي كانت تحلم بها أمها أمها أمية جاءت من البادية ما يهمها في الرجل هو جيبه ومكانته الإجتماعية وهذا الذي جعل لطيفة ترفض حميد، ابن عمها رفضته، وإن كانت تُعجبها فيه بعض الخِصال، لأنه كان مضرب المثل في الفشل كان يُقال عنه داخل العائلة فلان صْكَعْ، فُلان سبع صنايع والرزق ضايع، وكذلك كان فَلم يترك حرفة إلا جربها، وبقي كما هو في مكانه لم يتحرك مَرَّت السنون و الأعوام ولم يتحقق له شيء وضَجِر منه حتى أهله عرفت لطيفة كل ذلك قبل أن تنقطع الصِّلة بين الأسرتين فقد مَرَّ ما يزيد عن عشرين عاما على آخر مرة رأته فيها قبل أن تراه وهو صاحب كروسة وحتى الآن لا تعرف شيئا عَمَّا جرى له أثناء هذه الأعوام ولكنها وجدت نفسها تُفكر فيه وفي نفس الوقت تُمَني النفْسَ بأن تعود يوما ما إلى بيت زوجها السابق ريان
عَلِمتْ بطرقها الخاصة أن ريان أمسى يفكر في غيرها وأَيِست من العودة إلى بيته حزنتْ حزنا كثيرا وصارت لأول مرة ترتدي الحِجاب كانت امرأة عادية في صورتها وشكلها لم تكن جذابة ولم يكن بها عيب يعافه الرجال ولكنها كبرت في السن، مما يجعل زواجها بعد طلاقها أكثر صعوبة وللتخفيف عن نفسها صارت تُكثر من زيارة حميد، صاحب الكروسة في البداية كانت تطلب منه أن يملأ لها آنيتها حريرةً ثم تشجعت وجلست على كرسي في وقت لم يكن فيه الرجال وطلبت عجة وكوب شاي وذات يوم، قال لها حميد كَأَنِّي أعرفك نظرت إليه نظرة استفهام، فقال ألستِ أنتِ لطيفة بنت فلان قالت أنا هي، فما يهمك في الأمر قال مجرد فُضول وبعد تردد، قالت كيف حال أمي هنية وهكذا تم الإتصال وتبادلا أرقام الهاتف وجاء يخطبها وقبِلتْ أسرتها قبلت لَمَّا عرفت حكايته حكاها لِلَطيفة حينما دعاها للجلوس معه في إحدى المقاهي الراقية بنفس الشارع الذي اعتاد أن يُوقف فيه كروسته قال لها
اعلمي، يا لطيفة، أنني كنت أحبك لَمَّا عرضتُ عليك الزواج كنتُ أعلممأنك رفضتني لظروفي المادية وأعلم أن أهلك كانوا يحلمون بأن تتزوجي رجلا مثل هذا الذي طلقك وقد أحببتُ امرأة أخرى بعدك كانت هي تسكن قريبا منا وتَدرُس في الثانوية في المدينة وكنت أنا أذهب لِلِقائها هناك وكانت تقول لي افعل أي شيء ولا تَبقَ عاطلا هكذا ولما أكثرت من زيارتها دون أن يتغير حالي ضجرت مني ومنعتني من لقائها مرة أخرى وسُرعان ما تزوجَتْ رجلا من المهاجرين المغاربة في السنغال فعرفتُ بعد تلك الصدمة الثانة أن لا زواج لي ما دُمتُ لم أُوفِّرْ لنفسي الظروف المادية للزواج فَصِرتُ ألوم نفسي أولا وفي غُضون ذلك أكمل أخي الأصغر دراسته وبدأ فترة تدريب في إحدى الشركات فصارت له مكانة في أسرتنا وصرتُ أنا أسمع كل أنواع الشتائم والإهانات
وفي يوم من الأيام، طلب مني أخي الأصغر أن أُحضِرَ له وثيقة إدارية من مدينة الرباط كما قلتُ لك، كان هو في فترة تدريب وخشي أن يتغيب فيكون ذلك سببا في طرده وأثناء رحلة العودة من الرباط جلستْ إلى جانبي امرأة في الثلاثينات من عمرها تبادلنا أطراف الحديث، وكان مما قالته لي، إنها موظفة، ولكي تستثمر قسطا من مرتبها المتواضع، في نظرها، اشترت حِمارا ووضعَته رهن إشارة أحد الباعة المتجولين مقابل أجرة وبعد تجربة الإستأجار باعت الحمار واشترت دراجة عادية ووضعَتها رهن إشارة أحد مُصلحي الدراجات لكي يُكريها للناس وهكذا تَكَوَّنَ لديها رأسمال صغير استثمَرَته في التجارة دون أن تُفَرط في وظيفتها فلما عُدتُ أنا إلى البيت فكرت في هذا الأمر وبعد أيام وجدتُ امرأة في البادية قَبِلَت أن تعطيني حِمارا وأخرى أعطتني عَربة خشبية كان يستعملها زوجها المتوفَّى وهكذا أصبحتُ أنقلُ الناس والبضائع وأُأَدِّي أُجرة الكراء لصاحبة الحمار ولصاحبة العربة ولَمَّا صار لي رأسمال لا بأس به بدأتُ أبيع الملابس المُستعمَلة في الأسواق الأسبوعية لكن ما كنت أكسبه لم يكن يكفيني فقال لي أحدهم قد يحتاج الناس إلى وسيلة نقل مرة في اليوم وقد يحتاجون إلى ملابس جديدة أو قديمة مرتين في العام، لكنهم يحتاجون إلى الأكلِ مَرَّاتٍ في اليوم
وفي يوم من الأيام، طلب مني أخي الأصغر أن أُحضِرَ له وثيقة إدارية من مدينة الرباط كما قلتُ لك، كان هو في فترة تدريب وخشي أن يتغيب فيكون ذلك سببا في طرده وأثناء رحلة العودة من الرباط جلستْ إلى جانبي امرأة في الثلاثينات من عمرها تبادلنا أطراف الحديث، وكان مما قالته لي، إنها موظفة، ولكي تستثمر قسطا من مرتبها المتواضع، في نظرها، اشترت حِمارا ووضعَته رهن إشارة أحد الباعة المتجولين مقابل أجرة وبعد تجربة الإستأجار باعت الحمار واشترت دراجة عادية ووضعَتها رهن إشارة أحد مُصلحي الدراجات لكي يُكريها للناس وهكذا تَكَوَّنَ لديها رأسمال صغير استثمَرَته في التجارة دون أن تُفَرط في وظيفتها فلما عُدتُ أنا إلى البيت فكرت في هذا الأمر وبعد أيام وجدتُ امرأة في البادية قَبِلَت أن تعطيني حِمارا وأخرى أعطتني عَربة خشبية كان يستعملها زوجها المتوفَّى وهكذا أصبحتُ أنقلُ الناس والبضائع وأُأَدِّي أُجرة الكراء لصاحبة الحمار ولصاحبة العربة ولَمَّا صار لي رأسمال لا بأس به بدأتُ أبيع الملابس المُستعمَلة في الأسواق الأسبوعية لكن ما كنت أكسبه لم يكن يكفيني فقال لي أحدهم قد يحتاج الناس إلى وسيلة نقل مرة في اليوم وقد يحتاجون إلى ملابس جديدة أو قديمة مرتين في العام، لكنهم يحتاجون إلى الأكلِ مَرَّاتٍ في اليوم
وهكذا تعلمتُ فنون الطبخ، وعمِلتُ في مطاعم شعبية كثيرة، بدأت بغسل الصحون وتقديم الأكلات إلى الزبناء قبل أن أبدأ إعداد الأكلات بنفسي وأخيرا قررت أن أفتتح مطعما خاصا بي واشتريت قطعة أرض صغيرة في دوار من دواوير البناء العشوائي أدَّيتُ ثمنها بالتقصيط ثم بنيت عليها مسكني، على مراحل وعندما كنتُ أستعد للزواج جاءت أزمة كورونا فَكَسدت تجارتي وبعد كورونا قررتُ أن أُجَرب الكروسة ريثما يكون لي رأسمال من جديد لكني وجدتُ راحتي في العمل وصار الناس يحترمونني، وحتي أهلي تغيرت نظرتهم إلي، ولم يَعُدْ ينقصني شيء إلا الزواج
فقالت له لطيفة وأنا لا ينقصني إلا رجل
تزوج حميد بلطيفة وسكنتْ معه في مسكنه بذلك الدوار من دواوير البناء العشوائي وصارت تقرأ معه القرآن في كل ليلة، وتُصلي خلفَه حينما يكون في البيت وصارت هي من تُعِدُّ له الحريرة وكَبُرت تجارتهما، وصار لهما مطعم صغير بنفس الشارع الذي التقيا فيه ولم يَشعرْ إلا وهُوَ يسجدُ لله أمام الزبناء القُدامى والجُدُد لَمَّا اتصلت به زوجته من أحد المُستوصفات تُخبره بأنها حامل
فقالت له لطيفة وأنا لا ينقصني إلا رجل
تزوج حميد بلطيفة وسكنتْ معه في مسكنه بذلك الدوار من دواوير البناء العشوائي وصارت تقرأ معه القرآن في كل ليلة، وتُصلي خلفَه حينما يكون في البيت وصارت هي من تُعِدُّ له الحريرة وكَبُرت تجارتهما، وصار لهما مطعم صغير بنفس الشارع الذي التقيا فيه ولم يَشعرْ إلا وهُوَ يسجدُ لله أمام الزبناء القُدامى والجُدُد لَمَّا اتصلت به زوجته من أحد المُستوصفات تُخبره بأنها حامل