النسخة الإنجليزية
THE TAILOR OF MOGADOR
الفصل الرابع
وبعد أقل من نصف ساعة من الركوب، وصلا إلى منزل منعزل على الطريق. فقال بلعيد فجأة: ستقام الحفلة هناك، في ذلك المنزل.
وعندما وصلا إلى هناك، تَرجَّل بلعيد وفتح ذِراعيه لاحتضان رَجُلين اندفعا إلى الأمام للترحيب به. وجاء رجالٌ آخرون، صغار وكبار، نحوَه وقَبَّلوا يدَه. ثم نظر خلفَه وقال للطاهر: ابق هناك! وظل الطاهر واقفا بجانب الحمار وتَتَبَّع بِنظرهِ بلعيد، الذي كان مُحاطاً بالرجال الآخرين، وهو يَدخل المنزل. كان صوت الموسيقى مسموعًا في كل مكان.
بَقيَ الطاهر لبعض الوقت خارجاً بِمفرده؛ وظلَّ واقفا بجانب الحمار. وأثارَ هذا الموقف غضبه. فَكَّر في الهروب. فكَّر في الانتقام. ولكن كيف؟
وها هو بلعيد يَخرج من المنزل، مُحاطا بفَتاتَين. أصاب شعورٌ بالغيرة قلبَ الطاهر لِلَحظةٍ، على الرغم من أن أَيّاً من الشَّابَّتين لم تكن تتمتع بِحُسنٍ ولا جمال. قال بلعيد بصوت يَشوبه بعض الفخر: هذا خياطي! قالت المرأتان، اللتان يَظهر بشكل واضح من نظراتهما أنهما فُتِنَتا بجمال الطاهر : حقا؟ لكن بلعيد، الذي رأى نفسه فجأة مُتَجاهَلاً من قِبَل المرأتين اللتين كان قد أتى بِهما بنفسه من المنزل، لم يستطع تَحَمُّل ذلك. قال بغضب: أنتما تعرفانِه الآن. إذا كنتما تريدان منه أن يصنع لكما أي نوع من الملابس، فأْتِياني. الآن، عودا إلى المنزل! أراكما بخير! ثم التفت إلى الطاهر وقال: هيَّا! لنذهب!
في طريق العودة، لم يَقُل بلعيد أي شيء يُمكن أن يَجرحَ مشاعر الطاهر. لكن الطاهر أدرك الآن أن الله وحده يَعلم ما يَحمله له المستقبل.
فَحالَما عاد إلى الدوار، توضأ وصلى، وبَقي يُصلي ويقرأ السُّوَر التي تعلمها في مراكش حتى لم يعد بوسعه مقاومة النوم.
ولكنه لم يَنَم أكثر من ساعة أو ساعتين. ثم بَقِيَ مستيقظاً بَقيةَ الليل، يُفكر في أيامه في مراكش، وفي الزاوية في موگادور، وفي قريته. وراح يتأمل كل ما سمعه من القاضي، ومن إسماعيل، ومن عبد الرحمن، ومن الزاهية. وفكر في الحياة. وتساءل عن الحظ. وتساءل لماذا من بين كل النساء يتزوج ابن قايد (!) امرأة سمراء سمينة لا تتمتع بأية ميزة و لا خِصلة جيدة. وتساءل لماذا يتزوج ابن قايد آخر (!) من شابة فاتنة لمدة ست سنوات طويلة ومع ذلك يفشل في إنجاب طفل. فكر وتنهد وفكر وتنهد حتى سمع أصواتاً في الفناء.
عادت مَّيْنَة بعد ثلاثة أسابيع وأخذت التكشيطة. لم يسألها الطاهر كيف وجَدَتها. لكنها استفاضت في الحديث عن جمالها وفضائلها وعجائبها. وأسهبت الحديث في ذلك وكأنها تُحاول بَيع التكشيطة للطاهر الذي صنعها. لكن الطاهر لم يَقل أكثر من "جَيِّد!"، وظل يُكررها بِمَقت حتى نهضت مَّيْنَة وخرجت من الغرفة.
بعد لحظة، تَمَثَّل الطاهرُ وجهَ الزاهية الوردي. ابتسمَت له الزاهية. كانت عيناها الزرقاوان صافِيتين للغاية وفمُها أكثر إغراءً من فَم مَّيْنَة، الذي فشِل في تقبيله. ومرة أخرى أطلَق غرغرة من البهجة، مَا أثارَ ذُهول الصبي. لم يَكن الصبيُّ يَعلم أن كُلَّ ضحكةٍ وكلَّ صوتِ غُرابٍ سمِعه في ذلك المساء حَمل الطاهرَ إلى قريته، على بُعد أميال وأميال. كلُّ نهيق، وكل خُوار، طارَ بِالطاهر إلى قرية الزاهية.
وفي الليل عاد الطاهر إلى تِلاوة القرآن الكريم، واستمر في الصلاة حتى انفجر بالدعاء: يا رب، أَعلمُ أنني أخطأت! والآن تُبت. يا رب، ساعِدني على الإقلاع عن الذنب. لا تُدخِلني في فِتنة فإني ضعيف... ثُمَّ ذهب الطاهر إلى النوم، خاليًا من كل قلق أو خوف.
في الصباح التالي، ظهر بلعيد فجأة في غرفة الطاهر وقال إنه سيأخذه إلى حفلة أخرى في وقت لاحق من اليوم.
انتظر الطاهر تلكَ الحفلة بنوع من الشَّوق، وكأنه يَعتقد أن خَلاصه لن يأتي إلا من خلال لقاء شخص ما في إحدى هذه الحفلات. لقد أطرى نفسه بأنه يمتلك كل ما قد يجذب انتباه أي شخص يَلقاه.
انهارت تلك الآمال عند الظهر، عندما اقتحم بلعيد عليه، وقال: انهض! سنذهب للصيد.
ذَهبا سَيرًا على الأقدام تحت سماء مُكفهِرة. فاجَأتهما زَخَّة تبللت منها ثيابُهما. ومع ذلك، واصلا السير، وكان الطاهر يَحمل حقيبة جلدية على كتفه.
وصلا إلى الوادي. كانت الأرض قد اخضرَّت مرة أخرى. كانت الطيور تغرد فوق الرؤوس. قال بلعيد فجأة: انتظر! انظر هناك! إنه أرنب! كان الأرنب يقفز حول شجيرة. كان بلعيد مختبئًا خلف شجيرة.
مَلَأَ جُعْبة قَوس الصيد ثم التقطَ سَهمًا، وسُرعان ما صَقله ووجَّهه نحو الأرنب ثُم أطلَقه. بعد لحظة، كان واقفًا، يُهَنِّأُ نَفسه بصيده الثمين.
حَبس الطاهرُ أنفاسه بينما أخرج بلعيد سِكينًا وقطع حلق الأرنب. بدأ الأرنب يتخبط في دمه لِلحظة، ثم استلقى ساكنًا. قال بلعيد، وهو يَجلس على صخرة، مُقابِلاً الأرنب: الآن، يمكننا أن نرتاح. دعِ المطر يَغسله! ارفَع عينيك! انظر، لا ينزل مطرٌ الآن، لكن ما تحمله تلك الغيوم سيَهطل علينا، أليس كذلك؟ الآن أعطِني ذلك الإبريق الموجود في الحقيبة. بسرعة!
الطاهر، الذي بَقي واقفا على بُعدِ أمتارٍ من بلعيد، نَظر بحذرٍ بينما فتح الأخير الإبريق.
قال بلعيد فجأة:
- كيف وجدتَ هذه الرحلة؟
قال الطاهر، وهو يَنحني حتى يتمكن بلعيد من سماعه بوضوح:
- أشعر بتَحسن كبير، نعمس.
- حسنا. هل ترغب في شُرب شيء؟
- هذا لُطف منك، نعمس! لكنني أعاني من آلام في المعدة.
قال بلعيد، وهو يُشمُّ الإبريق:
- حسنا! هذه مشكلتُك أنت. هذا نبيذي أنا، على أي حال. (ثم ضحِك وهو يواصل حديثه،) إنه ليس مثل نبيذ مَّيْنَة. كان نبيذُها قديمًا ورائحتُه كريهة. كان مصنوعًا من عِنبٍ غير ناضجٍ. نبيذي جديد ومُعطَّر وله نسمة هائلة. إنه من مَحصول العام الماضي فقط. تَمَّ صُنعه في دُكّالة! هذا النوع من النبيذ يصبِر على قَطع مسافات طويلة دون أن يفقد من لذته شيئا، يُمكنني أن أؤكد لك ذلك.
ثم سُكت وبدأ يَشرب. ظل الطاهر واقفا، رغم أنه كان مُنهَكا. وبعد فترة، بدأ بلعيد يتحدث مرة أخرى. انتصبت أُذُنا الطاهر. استمُع بِبالغ اهتمام، وكأنه يُحاول اختراق عقل الرجل الذي يجلس على بعد أمتار منه. جلس الطاهر القرفصاء عندما سمع بلعيد يقول: لا أحدَ غيرُكِ في قلبي. عليكِ أن تعرفي هذا. لا تذكُري زوجتي، من فضلك! زوجتي نغَّصت علي حياتي. أنتِ وحدكِ من يستطيع أن يجعلني سعيدا.. (تمتم الطاهر لنفسه: ما الذي يتحدث عنه؟ لماذا يتحدث مع نفسه بهذه الطريقة؟ هل شرِب جُرعة زائدة من الكحول؟) قال بلعيد بحزن: ماذا سيحدث إذا لم تقع في قبضتي؟ إنها ليست الجوهرة الفريدة! (قال الطاهر في نفسه: من الواضح أنه يُراهن على شيء ما، . يبدو الأمر وكأن امرأةً ما تدفعه إلى حافَّة الجنون. اسمع: إنه يَصبُّ اللعنات على نفسه! هذا جنون، حقًا! ما هذا؟ هل سيُغمى عليه؟ يا إلهي! لقد أُغمِي عليه! ماذا علي أن أفعل الآن، يا إلهي؟) لم يفعل الطاهر شيئًا على الإطلاق. لقد انتظر فقط حتى صحا بلعيد. وقد صحا بعد ساعات. أَجبَر نفسه على الوقوف، لكنه سقط على رُكبتيه، وعَوى من الألم. لِحُسن الحظ، لم يسمعه أحد. كان الطاهر على وشك مُساعدته على الوقوف إلى قدميه عندما وقف أخيرًا، وقال لِدهشة الطاهر: الآن، سنذهب صَوب الحَريم.. هيا بنا!
يا لها من رحلة شاقة! عند كل خطوة كان هناك شيء مُخيف: إذا لم يكن الطقس، فقد كان مجرد التفكير في أن يُرَيا وهُما يتجولان مِثل مُتشردَين هائمَين على وجهَيهِما.
و مَن الذي قد يخرج في هذا الجَوِّ سوى متسول بائس أو كلب ضال؟ لَم يرَهما أحد في طريقهما، أولاً إلى منزل القايد، حيثُ سلَّم بلعيد الأرنب إلى زوجته المذهولة وبَدَّل ملابسَه، ثم إلى المنزل الذي بَدا أن بلعيد قد عَلَّق عليه كُل آماله. وصلا إلى هناك قبل أن يبدأ المطر في الهطول. نبح الكلاب معلناً وصولهما. وفي غمضة عين ظهرت امرأة عند الباب الأمامي. لوَّح لها بلعيد بيده. ولكنها بدلاً من أن تتجه نحوه عادت إلى المنزل. ثم خرج عدد كبير من النساء من المنزل وتجمعن معًا أمام الطاهر، وكرَّرت بعضُهن بِلا كَلل: إنه الخياط! إنه الخياط! ثم غمَرنَ بلعيد بالتوسلات. قلن له: دعه يجلس معنا هذه المرة فقط! ولكن بلعيد رفض بِعِناد، فما كان منهن إلا أن تجمَّعن حول الطاهر ودفعنه إلى داخل المنزل. ثم أخذنه إلى غرفة كبيرة، حيث كانت تجلس شابة بمفردها.
وبمجرد أن وقعت عينا الطاهر على تلك المرأة، نسي كل شيء عن النساء الأخريات، ونَسيَ كل شيء عن بلعيد، نسيَ كل شيء عن العالم. كانت تلك المرأة قَمرًا بِلا خُدوش. كانت وردة بلا أشواك. كانت جسدًا مُرصَّعًا بالجواهر. كان وجهُها ألماسة تلمع كَالنار. لن يستطع أي فنان أن يُصور جمالها لا بالكلمات ولا بالصور. بل حتى المرآة لا يُمكنها أن تعكِس صورتها بكل جمالها. لكن تلك المرأة أيضًا كانت تُراقب بإعجاب صامت النساءَ الجالسات أمام الطاهر مباشرة. كان الطاهر قد تَعلم لُغة العيون لأول مرة عندما اعتاد الجلوس مع زينة. وهاهي تَخدمه الآن مرة أخرى تلك اللغة. لكن كانت هناك نساء أخرَيات، وكلهن يراقبنَه. جلسن جميعهن في نصف دائرة أمامه، ما جعل من الصعب عليه أن ينظر إلى ما وراءهن، إلى المرأة الجميلة، التي لم تتحرك من مكانها.
قالت إحدى الشابات: ما اسمك؟
- اسمي الطاهر.
- مِن أين أنتَ؟
- أنا من الشياظمة.
- كم عمرك؟
- عمري اثنان وعشرون عامًا.
- أين تعلمتَ الخياطة و حِياكة الملابس؟
- في موگادور.
- هل أنت متزوج؟
- ليس بَعدُ.
- هل لديكَ حبيبة؟
- نعم.
(أطلقت النساء ضِحكات ملأت المنزل كله.)
مَن تكون حبيبتك؟
- أنتِ!
- أنا؟
- نعم!
(وزاد ضحك النساء. وزاد الطاهر تَصَبُّباً بالعرق.)
قالت المرأة التي كانت تسأله:
- هل ستصنع لي فستانًا إذن؟
- أيَّ نوعٍ من الفستان تُريدين ؟
- حسنًا، أريد قميصا بأكمامَ قصيرة ومفتوحًا عند الرقبة. هل يمكنك صُنع ذلك؟
- أَمّا أنا فَأُريد قميصا مفتوح الرقبة يترك ذراعَيَّ حُرتَين.
في تلك اللحظة، نظرت امرأةُ سمراء مِن الجالسات عند قدمَي الطاهر، نظرت حولَها والتقت عيناها بعينَي المرأة الجميلة. حدَّق الطاهر في المرأة الجميلة ولاحظ أنها تَغمز للسمراء. فَخفَق قلبه. فجأة شعُر بأن شيئًا فظيعًا يَجري تحضيره له تحت أنْفه. شعر وكأنه طُعْم، رغْم أنه لم يكن لديه أي فكرة عن هُوية الصياد. هل كان بلعيد؟ أم كانت المرأة الجميلة؟ لكن النساء لم يتركن له وقتًا للتفكير. كانت النساء يتحدثن إليه. كُن يَصِفن أنواع الفَساتين التي أَردن منه أن يَصنعها لهن. وكان يستمِع باهتمام. ثم قرَّر أن يَقبل طلبات ثلاث زَبونات، بِما فيهن السمراء التي غَمزت لها المرأة الجميلة. وَقام لِيذهب. لَفَّت النساء قِطعًا من القُماش في حزمة صغيرة وأعطينَها له. كما أَعطينَه سلة من القصب مليئة بالتمر والتين الجاف، ثم ترَكنه يذهب.
رأ ى بلعيد الهدية ومع ذلك لم يَنطق بكلمة. قال الطاهر وهو يواجه بلعيد:
- آسِف على التأخير. لقد أعطينَني قِطعًا من القماش وطلبن مني أن أصنع منها فساتين لهن.
قال بلعيد:
- حسنًا، لِنَعُد.
أخذ بلعيد الطاهر إلى الدوار وأغلَق الباب الأمامي خلفَه. ذهب الطاهر مباشرة إلى السرير. لكنه لم يستطع النوم. ليس فقط لأنه ذهب إلى السرير يرتجف من البرد، ولكن أيضًا لأنه ذهب إلى السرير مفتونًا. ألم يَر وجهًا مثل الماسٍ يَلمع كَالنار؟ لم يكن الطاهر مُتأكدًا بعدُ من أن تلك المرأة هي التي كان بلعيد يتحدث عنها في الوادي. ولكن ماذا لو كانت هي؟ ولماذا لا تكون هي؟ أليس هو رجلاً وهي امرأة؟ أليس من المُمكنِ أن تكون هي سببَ تعاسَتِه؟ كيف لا يكون تعيسًا للغاية إذا لم تكن مثل هذه المرأةِ زوجتَه؟ لقد تزوج امرأة أخرى. إن مُقارنة تلك المرأة الجميلة بزوجة بلعيد كَمقارنة العسل بالقَطران.
قد تكون هذه مشكلةَ بلعيد على أية حال. ولكنها قد تكونُ مُشكلةَ الطاهر أيضًا عَمّا قريب. ماذا لو وقع الاثنان في حُبِّ نفس المرأة؟ كانت كُل الدلائل تُشير إلى أن المرأة الجميلة ستُوقع الطاهر في مشاكل مع ابن القايد..
كانت قَد مَرَّتْ ساعاتٌ قليلة على ظُهرِ اليوم التالي عندما وقف بلعيد عند باب غرفة الطاهر. لم يكن هناك شيء فظيع في مظهره أو صوته، لكن قلبَ الطاهر قفزَ.
قال بلعيد وهو يجلس القُرفُصاء أمام الطاهر:
- لمن هذا الفستان الذي تعمل عليه؟
- إنها تكشيطة والدتِك، نْعَمس.
قال بلعيد غاضبًا:
- لا، لا! (وانتزع الفستانَ من الطاهر وألقاه جانبًا.) أَجِّل هذا إلى وقتٍ لاحق. أين القماش الأرجواني؟
- ها هو، نعمس! انتظر لحظة! ها هو!
- رائع! هذا ما كان يجب أن تبدأ به اليوم، الطاهر! استمع: انسَ كل شيء عن الفساتين الأخرى. اشتغِل على هذا أولاً. سأَعود لِأَخذه بَعد يومين.
قال الطاهر مُحتَجّاً:
- هذا مستحيل، نعمس! سأُحاول أن أصنعَه في أربعة أسابيع.
- حسنًا. لكن ابدأ الآن! هل تُريد شيئًا؟
- نعم، نعمس! أريد كتابًا أو كتابين لأقرأهما في المساء. أشعر بالوحدة.
- كِتاب؟ هل تقرأ الكُتب؟ حسنًا، سأرى. الله يْعينك!
- شيء آخر، نعمس.
- ماذا؟
- أعتقد أن مَّيْنَة ستُخبرك بالمواد الأخرى التي سأحتاجها لصُنع هذا الفستان. القماش في حد ذاته لا يكفي.
- حسنًا.
قَدَّم بلعيد للطاهر كِتابين هَديةً، لكن الطاهر لم يستطع قراءتهما. كان رأسُه مُمتلئًا بالأفكار بما فيه الكِفاية. الآن أصبح مُتأكدًا من أن بلعيد مُغرَمٌ بالمرأة الجميلة. كانت السمراء هي التي طلبت الفستان الأرجواني - بَعد أن غَمزت لها المرأة الجميلة. إذن فالفُستان الأرجواني هو للمرأة الجميلة.
بدأ الطاهر بالفعل في صُنع هذا الفستان. لم يكن بوسعه أن يفعل شيئا غير ذلك. لقد أعطاه بلعيد الأوامر. ولم يكن أمامه من خِيار سوى طاعة تلك الأوامر.
ولكن ماذا عن الله؟ ماذا سيقول الله عنه؟ هل هذا العمل جائِز؟ لِم لا؟ ماذا لو أراد بلعيد أن يجعل تلك المرأة زوجةً له، زوجته الثانية؟ سيكون ذلك طبيعيا جدا. ولكن ماذا لو أراد أن يجعلها عشيقته؟
كان الطاهر يخشى أن يُعين بلعيد على ارتكاب الجريمة مثل هذه. ولكن ماذا كان بُوسعه أن يفعل؟ (فكر في قَرارة نفسه) كان بِوسعي أن أقتله عندما كان سكراناً في الوادي. كان بوسعي أغرِس حجراً أو خنجراً في جُمجمته ثم أهرب. ولكنني لا أريد أن أكون قاتلاً. فالحياة البشرية عزيزة على الله، كما يقول المثل. سمعت ذات مرة الحبيب يقول: الغاية لا تُبرر الوسيلة. بلعيد عدُو لي، ولكن لا يمكنني أن أقتله انتقاماً. فلأُفَوِّض أمره الله! يا الله أنت تعرف من أنا، وأين أنا؛ أنت تعرف كم أعاني؛ يا الله نجني برحمتك من هذا البلاء.
في الصباح التالي، جاءت مَّيْنَة واستفسرَت عن تكشيطَتَيْ والدة بلعيد وزوجته. كانت مَّيْنَة قد وضعت عطرًا ومكياجًا. تحركت غرائز الطاهر. كافح للصمود في وجه الإغراء. لم تساعده ابتسامات مَّيْنَة الساحرة وكلماتها المعسولة.
قالت مَّيْنَة فجأة، وهي تشير إلى الفستان الأرجواني:
- هل هذا فستان شامة؟
فقال الطاهر بفضولٍ وهو ينظر إلى شفتَي مَّيْنَة اللامعتين:
- من تكون شامة هذه؟
- لا أعرف. أنا آسفة. ماذا عن التكشيطتين؟ قلتَ إنكَ لم تُكْمِلهُما بَعدُ، أليس كذلك؟ إذن ماذا أقول لأُم بلعيد وزوجته؟
- قولي إنهما غير جاهزتين بَعدُ.
- حسنًا. إلى اللقاء.
- قبل أن تذهبي ، من فضلك! من هي شامة؟
- شامة ؟ حسنًا، إنها ابنةُ مَلاّك أراضٍ ثري. لماذا؟
- أُحب هذا الاسم. لهذا السبب.
- تُحب الاسمَ أم صاحِبَتَهُ ؟
ابتسم الطاهر. نظرت إليه مَّيْنَة بحب، ولكن فقط للحظة عابرة. كان الصبي يراقب بعينين حادَّتين ويستمع بأذنين أكثر حِدَّة.
إذن هي شامة. عَمِل الطاهر على فُستانها بتفانٍ كبير وكأنه مُهرها.
وفي تلك الليلة كان في مِزاجٍ يَسمح له بالقراءة. لذلك فتح أَحد الكِتابين وحاول قراءة صفحة. كان عنوان الكتاب "السيرة النبوية". وبينما كان يُمَرر بصره على صفحة من الكتاب، تذكر الطاهر الزاهية، التي غنى لها الأغاني الدينية، الأغاني التي تمدح النبي محمدا (صلى الله عليه وسلم).
ولكن بمجرد أن أطفأ النور وذهب إلى الفِراش، هرعت مَّيْنَة إلى ذِهنه مرة أخرى. كانت الزاهية بعيدةً جدًا. لم تكن شامة له، لذا فإن مَّيْنَة وحدها هي التي كانت قادرة على الرَّفع من معنوياته. صحيح أن مَّيْنَة كانت تنتظر رجلاً لِيعود من الحج حتى يتزوجها، ربما زوجها السابق، كما قال عمي صالح. ولكن هي وحدها كانت قادرة على المجيء عِندهه والجلوس معه في غرفته والتحدث إليه والابتسام له ووضع العطر والمكياج له. فمَن غيرها يستطيع أن يفعل ذلك؟
في وقتٍ ما مِن صباح اليوم التالي تساءل الطاهر لماذا كان يعمل بكل دِقةٍ واهتمامٍ وحِرصٍ على ثوب لن يجلب له الكثير. ماذا سيكسب من هذا العمل؟ بِكل الاحتمالات لن يكون بلعيد مُمْتنًّا له على أي شيء. (فكر وأطال التفكير، وبَدا وكأنه يتحدى شخصًا ما.) ولكن لماذا أفعل هذا من أجله؟ أنا لا أتصرف نيابةً عنه. أنا أفعل هذا لإِعلامِ الجميع بوجودي هنا. لذا إذا أنا نجحتُ في بِناءِ صداقة مع عَدُوِّ عَدوي، فلا يُمكن إلا أن يُفيدني ذلك بشكل أو بآخر. ومع ذلك، لماذا تفعل كل هذا؟ لماذا لَم تهربْ عندما كان مخمورًا؟ لا. لم يكن ذلك مَأْموناً. لماذا لا أصنع لشامة فستانا جميلًا لطيفًا تفتخر به أينما حَلَّت وارتحلتْ؟ قد تكون شامة مُمْتنةً لي لذلك. أقَلُّ ما يُمكنها فِعله من أجلي هو مساعدتي على الفرار دون أن أتعرض لأذى، دون الحاجة إلى الهرب أو قتل أي شخص. إذا كان بلعيد يُحبها ولا يستطيع مُقابَلتها، فَهو بالتأكيد عَدُوٌّ لها. لماذا لا أُحاول أن أستميلَ عاطِفتها من خلال صُنع فستانٍ لها لم تحلمْ به أبدًا؟ قد تكون هذه هي الطريقة التي يمكنني من خلالها الهروب برأس مَرفوع. إذا كان بلعيد يعتقد أن الكون يدور حوله، فسأُثبت له خطأَه. إذا كان يتمتع بنفوذ كبير، فلدي الكثير من المهارة والكثير من السحر. يمكنني اكتسابُ قُوة أغلبه بها. نعم، صحيح أنني وقعتُ في قَبضتِه، لكن يمكنني دائمًا إيجاد طريقة لإنهاء هذا الخضوع والعودة إلى المنزل. حياتي ليست بين يدي بلعيد. بل على العكس؛ إن حياته هو بين يدي. إذا كان لديه قوة السلاح، فأنا لدي قوةُ الحب وقوةُ الفكر. لا بد أن شامة تسببت له في الكثير من الحزن والأسى. الآن يُمكنني إما أن أُفاقِم أو أن أُخَفِّف آلامه. كيف؟ من خلال القيام بما أفعله الآن! لذا يجب أن أعمل دون شكوى. يجب أن أكون مليئًا بالحيوية. يجب ألاَّ أسمح لأي شخص مَهما كان أن يُؤَثِّر في عواطفي . لقد كنتُ محظوظًا بما يكفي للحصول على هذه الفرصة لِصُنع فستان لابنة مَلاّك أراضٍ ثري قد يكون له بعض السلطة على بلعيد نفسه. ليس لدي أي فرصة للزواج من تلك المرأة. كل ما أريده هو العودة إلى المنزل والزواج من الزاهية. من يدري؟ كل ما علي فِعله الآن هو التصرف بحُسن نية. حتى بلعيد، الذي هو عدُوي، ليس أقلَّ تعاسةً مني. حَتَّى بِصفتي مسلمًا، يجب أن أساعد أخاً وَقع في مأزق. وبلعيد الآن في مأزق. ولكن كيف يُمكنني مساعدُته؟ من خلال القيام بما أفعله الآن! لا أستطيع أن أرى قلبَه لأعرف ما إذا كان سيكون مُمْتنًّا لي أم لا. لكنني سأرى ما يمكنني استخلاصُه منه. إذا تمكنت من استحضار شيء ما منه والهروب دون أن أتعرض لأذى في النهاية، فسيكون ذلك أفضلَ كثيرًا من قتلِه والمخاطرة بقتلِ نفسي. (توقَّف الطاهر ليعطِس ويَمسح أنفه، ثم استمر في دَغدغة مشاعره:) مسكين بلعيد! لا بد أنه أفسَدَ حياتَه بالزواج من تلك السمراء السمينة. إنه لَأمرٌ مُرهِبٌ أن ترى زوجاً وزوجةً لا يُحب أحدهما الآخر ولا يُطيق النظر إلى وجهه. قد يُؤدي ذلك إلى الجريمة والموت. أشعُر بالدوار عندما أفكر في الزواج من امرأة لا أحبها. ربما كان القاضي علال يعرف ذلك. إنه رجل ذو تجارب. ربما لهذا السبب اختار الزاهية لي. لكن أين الزاهية الآن؟ هل سأراها مرة أخرى؟ لقد كِدت أموت في ذلك اليوم عندما جَرَّني بلعيد خارج الغرفة وضربني في الفناء. من يدري ماذا سيحدث بعد ذلك؟ أسأل الله أن يكون في عَوني! كل ما يمكنني فِعله الآن هو مُحاولة كسب صداقة شامة.
أدرك الطاهر فجأة أن الصبيَّ يُراقبه بفضول. لذا سحَب السلة نحوه وبدأَ يأكل التمر، وقال للصبي: ألا تُريد أن تأكل؟
أُصيبَ الطاهر بسُعال خفيفٍ عندما دخل بلعيد غرفته بعد ثلاثة أسابيع، وقال بصوت خافت:
- هل انتهيت من الفستان؟
- نعم، نعمس.
- أرِنيه.
- ها هو، نْعمس.
- واو!
رقص بلعيد من الفرح. وقبَّل جَبينَ الطاهر ووعدَه بدجاجة مشوية.
تناول الطاهر ذلك الدجاج المشوي. لكنه لم يَشعر بالسعادة، رغم ذلك. ماذا لو حدث مكروه ما؟ وبدأ القلَق يتسرب إلى قلب الطاهر.
جاءت مَّيْنَة في اليوم التالي واستفسرت مرة أخرى عن تكشيطتَيْ والدة بلعيد وزوجته. قالت وعيناها تتَلألآن:
- متى ستصنعهما إذاً؟
أخجلت تلك الكلماتُ الطاهرَ فَصمَت.
ثُم قالت مَّيْنَة بنبرة استفزازية:
- هل تعلم أن صديقك بلعيد مريض؟
- لا. ما أَمرَضه؟
- ذاك الفستان الأرجواني الملعون هو الذي أمرضه!
قال الطاهر في نفسه: هذا ما كنتُ أخشاه! لكنه نظر بعد ذلك إلى مَّيْنَة بِعيون يائسة، ثم قال
هل أنتِ متأكدة من أنه مريض؟
قالت وهي تُحدق فيه:
- أنا كاذبة إذن! هل تَشكُّ في ذلك؟
فقال الطاهر وعيناه مُغمَضتان:
- أرجوكِ دعيني الآن!
وبِمجرد خروج مَّيْنَة من الغرفة عاد الطاهر ليقول في نفسه: هذا ما كنت أخشاه. الله وحده يعلم ما سيحدث غدًا. هذا أمرٌ خطير بلا شك. ولكن هل يجب أن أضحك أم أبكي؟ هل يجب أن أتفاخر به؟ هل يجب أن أتشَفّى بمصائبه؟ لا. يجب أن أشعر بالشفقة عليه. نعم، إنه عدوي. لكنه عاشقٌ أيضًا. أعرف كيف يكون شعور الرجل الذي وقع في الحب. ( تنهَّد الطاهر وهو يُواصل التفكير.) ما أخشاه هو ما سيحدث بعد الآن. كيف سيتصرف بلعيد معي في الأيام القادمة؟ هذا ما يهم بالنسبة لي الآن.
بعد أربعة أيام، كان الطاهر لا يزال يُفكر بقلق في عواقب فَشلِ بلعيد عندما سمع أصواتَ أُناسٍ يتجهون نحوه. ارتجف قلبُه لَمّا سمع صوت والدِه. تَرك كلَّ شيء واندفع للخارج. كانت الساحةُ مليئةً برجال قريته. كانوا جميعًا يرتدون ملابس السَّفر. كان معهم بلعيد ووالدُه القايد.
قال والد الطاهر بينما كان الطاهر يحتضن رجال قريته: ماذا تفعل هنا؟ سمع الطاهر السؤال ولكن لم يخطر بباله أي إجابة. سار والده أبعدَ وألقى نظرةً على غرفة الطاهر. تَبِعه رجال آخرون بخطوات مختلفة. وجد الطاهر نفسَه واقفا بجانب بلعيد ووالده، بمعزلٍ عن الآخرين. وبينما كان الطاهر يتجنب عينَيْ بلعيد، قال الأخيرُ بصوت يائس: لا تذهب! ثم نظر إليه الطاهر مُباشرة وقال: بَل سأفعل! قال والد بلعيد:
- دعْه يذهب! لا علاقةَ لنا به!
قال بلعيد في يأس:
- لكن يا أبي، أنا بحاجةٍ إليه! يجب أن يبقى!
- أنا والدُك وأنا قائدُ القبيلة أيضًا؛ إذا كُنتَ لا تريد الاستماعَ إليَّ لسببٍ، فاستمع إلي للسَّبب الآخر. أنا لا أرى لماذا تحتاج إليه!
أبي! قلتُ إنني بحاجة إليه. يجب أن يبقى. لا، الطاهر، لا تذهب!
انتظر الطاهر حتى تَجمَّع جميعُ رجال القرية حوله، وفتح شفتيه ليتحدث ولكنه لم يَقل شيئًا. تحدث والدُه نيابةً عنه. قال:
لقد أَتينا إلى هنا لأننا كُنا نعتقد ولا نزال أن منزل ابنِنا في قريتنا وقبيلتنا، وليس هنا.
قال القايد:
- وأنا لا أختلف معك، . يجب أن يعود ابنُك معك. نحن لا نحتاجه هنا. وأنا آسفٌ على المتاعب التي تسببنا فيها لك ولِأهلك.
أحمرَّت عيْنا بلعيد فَصَرَخ بأعلى صوته:
- لا يا أبي، لن أدعَه يذهب! لن يذهب الآن. أنا بحاجة إليه لبعض الوقت.
صاح والدُه:
- فقط أخبرني بالله عليك فيمَ تحتاج إليه!
ابتعد بلعيد عن والدِه وواجه الطاهرَ:
- من فضلك ابقَ شهرًا آخر فقط! أتوسلُ إليك!
قال الطاهر بصوت مُرتجف:
- أَعِدْ لي حصاني وادفَع لي مُقابلَ العمل الذي قُمت به وبعد ذلك سأبقى شهرًا آخر.
قال والد الطاهر بدهشة:
- هل كنتَ عبدًا هنا؟
قال بلعيد وهو ينظر باعتذارٍ إلى الطاهر:
- لمْ أفكر قط في أخذِ حصانك منك. سأُحضره لك فَوراً. ولَم أنظر إليك أبدًا باعتبارك عبدًا. سأدفع لك كامل المبلغ. الآن!
أخرج بلعيد نقوداً ذهبية وفضية من جيبه وسلّمها إلى الطاهر، الذي سلّمها بدوره إلى والده.
قال بلعيد وهو يواجه الرجال: تعالوا جميعًا! أنتم ضُيوفي لمدة ثلاثة أيام. مرحبًا بكم! تعال آ الطاهر! سأُريك حصانَك. يمكنك إعادته إلى المنزل مع والدك، إذا أردت. نحن أصدقاء، أليس كذلك؟
فقال الطاهر في نفسه: هذا يُحَيِّر العقل ! لماذا كل هذا؟
لم ينتظر الطاهر طويلاً ليعرف لماذا كان بلعيد كريمًا لهذه الدرجة. وفي الوقت نفسه، استمتع بثلاثة أيام بصُحبة والده ورجال القرية، حيث أقاموا جميعًا في خيمتَين مُجَهزتين وقُدِّمَ لهم ألذ الطعام والشراب.
خلال تلك الأيام الثلاثة كان بلعيد فقط موجودًا. لم يكن والدُه في أي مكان يُمكن رؤيته. وهكذا كان بلعيد حاضراً عندما ودَّع الطاهر والدَه وطلب منه الاعتناء بالحصان (الذي أعاده بلعيد إليه). وبمجرد أن اختفى والدُ الطاهر وبقيةُ المجموعة عن الأنظار، التفت بلعيد إلى الطاهر، وقال: ارجع الآن إلى عملك. قال الطاهر وهو يبتعد: حسنًا، نعمس.
ولكن عندما عاد الطاهر إلى غرفته في الدوار لم يكن يَعرف ماذا يفعل. تمتَم لنفسه: ما الثوب الذي يجب أن أعمل عليه الآن؟ هل أشتغل على تكشيطتَي زوجة بلعيد ووالدته أم على فساتين صديقات شامة؟
لم يُخبره أحد. لم يَظهر بلعيد ولا مَّيْنَة مرة أخرى إلى أن بَقيَت ليلةٌ واحدة إِذ أيقظ بلعيد الطاهر من نومه، قال بلعيد وهو يدخل الغرفة: لا تَخَف آ الطاهر! أنا سِّى بلعيد. لقد أتيتُ لأتحدث إليك عن أمرٍ مُهم.. (كان الطاهر مُرتبكًا للغاية بِحيثُ لم يتمكن من الكلام.. تابعَ بلعيد:) سأقول لك بِضع كلمات فقط وسأذهب. اسمع: سيكون هناك عرض للتْبوريدة بعد ظُهر اليوم. سيَحضرُه كثير من الناس. لأكون صادقًا معك، أنا مُهتم بشخص واحد فقط من بين كل هؤلاء الذين سيحضرون. أعتقد أنك يمكنك تخمين مَن. نَعم، إنها شامة، المرأة التي صنعتَ لها الفستان الأرجواني. حسنًا، أنا أحب هذه المرأة. وأعتقد أنك تستطيع أن تشعُر بما يشعر به الرجل عندما يقع في حب امرأة جميلة مثل شامة. في الوقت الحالي لا نتحدث مع بعضنا البعض. لم تُتَح لنا الفرصة. كل العيون علينا. لذلك، لِتَجَنُّب المُراقبة، فكرتُ في حيلة، وسأحتاج إلى مُساعَدتك. حسنًا، سأَتنَكَّر في هيئة رجل عجوز. سيكون دَورك هو استدراج شامة للظهور. ستَستمر أنت في التجول في المكان حتى تراك شامة شخصيًا أو إحدى صديقاتِها. سيَأتين إليكَ بالتأكيد. في ذلك الوقت سأُحاول أنا الاقترابَ من شامة للتحدثِ معها. فإذا رأيتَني أتحدثُ إلى شامة، فحاوِل إغراءَ النساء الأُخريات بحديث يجعلهن يَتبَعنَك بعيدًا عنّا. و لا تَدعْ نفسكَ تتأثر بشامة! لن تكسب شيئًا من التحدث إليها. الآن، دعْني أسمع منك. هل يمكنني الاعتمادُ عليك؟
قال الطاهر بصوت خَفيض، مُتسائلاً عَمّا تبَقى لديه ليقوله:
- يُمكنَك الاعتمادُ عليّ.
- شكرًا لك! سأعود عند الظهر. سأُحضر لك غَداءك. وستُساعدني في التنكر كما قلتُ لك؟
- حسنًا، نعمس.
كما وَعَد، أَحضر بلعيد للطاهر غداءَه عند الظهر. لم يكُن في الفناءِ أَحد. لذا تناول الطاهر غداءه ثم ساعد بلعيد على التنَكُّر في هيئة رجل عجوز يرتدي ثيابًا بالية ويَمشي مُتَّكئاً على عصا. ودَّع كلٌّ منهما الآخر وذهب كل منهما في طريق مختلف نحو الحقل حيث سيُقام عَرض التْبوريدة.
كان الطاهر رجلاً لافتًا للنظر. تمتَم لنفسه وهو يبتسم: إذاً فَأنا الآن طُعمٌ، بالتأكيد. هذه المرة الصيادُ هو بلعيد. والمَقصود صيدُه شامة. هل يجب أن أساعِده؟ أم يجب أن أَخذُله وأفضحَه؟ هل يمكنني ذلك؟ بالطبع أستطيع! يُمكنني بسهولة نزعُ قِناعه أمام الناس. هل يجب أن أفعل ذلك؟ لا أعرف حقًا. لقد أثار بلعيد شَفقتي عندما رأيتُه يكافح لإخفاء نفسه. سيكون من الوقاحة أن أتركه الآن. على الأقل أعاد لي حصاني وأَعطاني أَجري. لكنني ما زلتُ لا أعرف ماذا يجب أن أفعل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire