محمد علي لكوادر المحمدية، المملكة المغربية

محمد علي لكوادر المحمدية، المملكة المغربية

dimanche 29 septembre 2024

الفصل الثاني


النسخة   الإنجليزية


THE TAILOR OF MOGADOR



 

الفصل   الثاني

 

انتظر الطاهر حتى الأربعاء. كان يريد مقابلة ابنة عمه فاطمة البالغة من العمر عشرين عامًا.
كانت فاطمة تسير ببطء نحو ضفة النهر، حيث كان حبيبها، وهو شاب من القرية المقابلة، ينتظرها. كان المكان ممتلئًا بالفعل بالعشاق من القريتين.
قال الطاهر بخجل: صباح الخير!
أجابت فاطمة، التي كانت تحاول تجنبه:
- صباح الخير.
- آسفٌ لإيقافكِ، لكن لدي شيء أريد أن أقوله لكِ.
قالت فاطمة، كاشفةً عن وجهها:
- نعم؟
- هل يُمكنُكِ أن تُقَدِّمي لي معروفًا؟
- نعم؟
- حسنًا، من فضلكِ أخبري والدتي أنني سأغادر القرية اليوم بعد الظهر. سأذهب إلى موگادور. سأبقى هناك حتى تتزوج زينة. أخبِري والدتي أنني لن أتزوج زينة. سيقابل القاضي والدي ويشرح له كل شيء.
- ماذا ستفعل في موگادور؟
- لا أعرف حقًا. فقط أخبري والدتي بما أخبرتُكِ به. لم أستطع أن أخبرها بنفسي لأنني أعلم أنها ستهاجمني بالأسئلة. لا أريد التحدث عن زينة بعد الآن.
- حسنًا! سأخبرها. أتمنى لك رحلة سعيدة.
- شكرًا لك.
في الطريق إلى موگادور، صادفَ الطاهرُ العبيدَ، البدوَ السودَ الذين كانوا يأتون من نواحي سوس لِيَقضوا أحياناً شهراً أو شهرين في العمل في منطقته. شَعَر الطاهر بالارتياح لرؤيتهم، لأنه كان يعلم أن بعضهم سيساعد والده وأخاه أثناء غيابه. كان العبيدُ سُعداءَ عادةً بالعمل في حقول عائلته.
ترك الطاهر معسكر العبيد وركب إلى موگادور. بمجرد وصوله إلى هناك، حجز غرفة في فندق، وهو نزل رخيص. لم يكن في الغرفة سرير ولا طاولة ولا كرسي. كان هناك فقط حصيرة مغطاة جزئياً بفراش رقيق مع وسادة منخفضة وملاءة صوفية. لكن لم يكن هناك مكان آخر حيث يمكن أن يستوعب الطاهر مع جواده تحت نفس السقف.
لكن هذه لم تكن المشكلة. المشكلةُ هي أنه بمجرد أن حَجَزَ تلك الغرفةَ، شعرَ الطاهر بالحاجة إلى العودة إلى قريته، وخاصة إلى تلك النخلة على ضفة النهر، حيث تَمَكن من رؤية حبيبته الزاهية، أو على الأقل شيئًا منها.
الآن غادر الفندق واتجه إلى المسجد، مسترشدًا بصوت المؤذن، الذي كان ينادي لصلاة العصر. في الطريق إلى هناك رأى الطاهر شابتين ترتديان الأبيض وأصبح شوقه إلى الزاهية أكثر إيلامًا.
حتى أثناء الصلاة كان يفكر فيها. لكنه لم يفكر فيها وحدها. لقد فكر أيضًا في زينة. تصور نفسه جالسًا مع الزاهية على مسافة قريبة من زينة وهو يقول:
- نعم، لقد فكرتُ فيها، لكنها الآن لم تعد تعني لي شيئًا. أنا لست منبهرًا بجمالها، كما تعلمين. أنتِ أجملُ منها بكثير. لا، صدقيني! أنا أقول الحقيقة!
وَ بينما كان يغادر المسجد، أخذ الطاهر حذاءَ شخصٍ آخرَ عن طريق الخطأ.
قال شاب وسيم ذو ملامح بربرية:
- عفواً أخي، ذاك حذائي. هاهو حذائُك!
- آه، آسف! أنت على حق. هذا حذائي بالفعل.
لا مشكلة.
خارج المسجد، وجدَ الطاهر نفسه يسير في نفس الزقاق الذي يسير فيه الشاب. خفق قلبه بشدة عندما استدار نحو هذا الأخير وقال:
- هل أنت ذاهبٌ في طريقي يا أخي؟
- إلى أين أنت ذاهب؟
- أبحث عن محل خياطة.
- أنت لست من هذه البلدة، أليس كذلك؟
- لا، لست من هنا. أنا من -
بعد ساعة أصبح الاثنان صديقين. تناولا الشاي معًا في الفندق.
قال الطاهر: لقد سُرِرت بلقائكَ يا إسماعيل. أتمنى أن أراك مَراتٍ و مَرات!
قال إسماعيل: وأنا أيضًا! لكن دعنا نذهب الآن! سأُريك خياطًا أعتقد أنه سيُعجَبُ بك قريبًا.
- أوه، شكرًا لك!
كان مَحلُّ الخياط يُطِلُّ على شارع مزدحم. أمَّا الخياط فكان رجلًا سمينًا قصير القامة في الخمسينيات من عمره يرتدي جلبابًا بيج. كان جالسًا في مؤخرة المحل الصغير، يعمل على قطعة ملابس بينما كان فَتًى يقف على حافة الشارع يسحب خيوطًا تتقاطع في انسجام مع خياطة الخياط. لم يتحرك الخياطُ من مكانه عندما وقف إسماعيل عند الباب وقال:
السلام عليكم، سي حْسين! كيف حالك؟ هل يمكنني التحدث معك ببضع كلمات سريعة؟
رد حسين:
- أهلاً وسهلاً! تفضل بالدخول!
 قال إسماعيل، وهو ينظر إلى الطاهر:
- معي صديق.
- أهلاً وسهلاً بكُما! تعالا واجلسا بجانبي.
قال إسماعيل، وهو يجلس على يمين حْسين، بينما جلس الطاهر على يساره:
- شكرًا لك! حسنًا، لقد أتَيتُ لِأضع هذا الرجل كَمُتَدرب عندك.
نظر حْسين إلى الطاهر، وقال:
- لم يسبق لي أن كان عندي متدرب في مثل عمره.
- نعم، لكن هذا الرجل على استعداد للتعلم ودَفعِ تكاليف تدريبه.
قال حسين أخيرًا:
- حسنًا، سأبذلُ قُصارى جهدي.
قال الطاهر بخجل:
- شكرًا لك!
- الآن دَعني أُريكَ ما أفعله.
نَهض حْسين على قدميه وهو يُلَوح لمتدربه ليجلس داخل الدكان. ثم وقف بجانب ثوب مُعَلق على الحائط، وقال وهو ينظر إلى الطاهر:
- هذه تكشيطة، كما تعلم. إنها باهظة الثمن.
(وفكَّ خِطافَ التكشيطة وبدأ في عرض أجزائها الداخلية والخارجية، مُسَمِّيًا كل جزء وموضحًا الوقت الذي يستغرقه صنعه. خفق قلب الطاهر بشدة عندما جلس الخياط وتابع:)
انظر، أنا المْعلم، أو الخياط الرئيسي، إذا صح التعبير. وهذا يعني أنني لا أقوم بكل العمل بنفسي. ولهذا السبب لدي العديد من الأشخاص يعملون معي. كل واحد منهم لديه شيء يقوم به. أحدهم، على سبيل المثال، هو البَرّام. يَلُفُّ خيط الحرير لصنع التْراسْن، أو الضّْفيرة، التي تُستَخدم مع السّْفيفة. السفيفة هي هذا الشيء الذي تراه هنا على هذه الدفينة. إنها هنا حول الرقبة وتمتد أيضًا على طول منتصف مقدمة الدفينة. التراسن هو هذا الشيء الذي تراه على هامش السفيفة. كما تُستَخدم هنا أيضًا الأقمشة القطنية، وهي جميلة في منتصف السفيفة، لتثبيت لعقادي، كما تعلم. هذه الأزرار هنا هي لعقادي، هل رأيت؟ السفيفة والأقمشة القطنية ولعقادي يصنعها شخصان مختلفان. الشخص الذي يصنع لعقادي يصنع أيضًا الضفيرة، وهي الشيء الذي تراه في منتصف السفيفة. ثم هناك أنا؛ أقوم بخياطة جميع أجزاء التكشيطة معًا. وأخيرًا، يأتي الشخص الذي يضع اللمسات النهائية عليها. كما تعلم على الأرجح، تتكون التكشيطة من قطعتين: التحتية، وهو الجزء الموجود أسفله، والدفينة، وهو الثوب الخارجي. يمكنك أيضًا إضافة المضمة، أو الحزام، وهو عمل خاص في حد ذاته. نسيت أن أُخبِرك أن الفتى هُنا يساعدني في البَرْشْمان. وظيفتي الأساسية كمْعلم هي: بَعدَ أخذِ قياسات الزبونة لِفُستان، أُسَجل رغباتها في شَكلِ فُستانها. ثم أقوم بتصميم الفستان، ثم أقوم بقص الثوب، ثم أقوم بتوزيع العمل على الأشخاص الذين يعملون معي والذين ينتشرون في كل أنحاء الحي. وهناك أيضًا سيدات يَقُمن بالتطريز لي في منازلهن. والآن، قل لي كيف تجد هذا العمل؟
لم يفتح الطاهر فمه. لقد كان مذهولاً. كان يتوق للخروج لأخذ نَفَسٍ من الهواء. قال في نفسه: يجب أن أعود إلى المنزل. سوف يستغرق الأمر مني عمراً كاملاً للقيام بهذه الأشياء!
كَرر الخياط سؤاله:
- كيف وجدت ذلك؟
فَقال الطاهر بصوت خافت:
- آسف؟ أوه، شكرًا لك! سأحاول. سأحاول. الآن، أعتقد أنه يتعين علينا الإنصراف. شكرًا لك مرة أخرى!
عند مغادرة الدكان، تنفس الطاهر بعمق.
فقال إسماعيل، وهو يُرَبت على كتفه:
- لا تكن متشائماً يا صاحبي! لا تَقلق! أرى أن الخياطَ جعلك تشعر بالدوار بإظهاره كل هذه الأشياء لك دُفعةً واحدة. لكن لا ينبغي أن تنزعج بهذه السهولة.
قال الطاهر، وقد استجمع لسانه أخيرًا:
- بصراحة، لقد كنتُ في حيرة من أمري!
- هذا طبيعي تمامًا، أخي. الآن انظر، اذهبْ واسترِحْ لمدة ساعة أو ساعتين. ولا تَخرجْ من غرفتك إلا للمسجد. أما أنا، فَعَلَيَّ أن أعود إلى البيت. زوجتي لا تعرف أين أنا. سأعتني باحتياجاتها، ثم سأحاول أن ألتحق بك. ستتناول العشاء معي الليلة، لأنني لن أراك مرة أخرى قبل الخميس المقبل
- لماذا؟
- كما تعلم، أنا أعمل الآن كمُدَرس مع عائلة خارج المدينة. ولَدَيَّ أطفال أقوم بتعليمهم في المنزل. وأنا أيضًا طبيب. لذا لم يتبق لي سوى القليل من الوقت لأقضيه معك.
- أنا سعيد بلقائك على أي حال. لا أعرف ماذا كنت لأفعل بدونك!
- أقول لك، أنت تذكرني بشبابي المبكر.
- كم عمرك؟
- أنا في الحادية والأربعين. وأنت؟
- أنا في الحادية والعشرين.
- هذا ما خَمَّنت! أعلمُ أن هذه سِنُُّ لها خصوصية. حسنًا! هذا هو الطريق إلى الفندق. استمتع بوقتك! أراك لاحقا.
- شكرا لك.
اشترى الطاهر كعكَة كبيرةً من أحد الدكاكين في طريقه إلى الفندق. داخل الفندق، كانت غرفة الطعام مكتظة بالناس الذين بدا أنهم جاؤوا للتحدث أكثر من تناول الطعام. وعلى مسافة قصيرة منهم، على الجانب الآخر من الجدار، كان هناك حِمارانِ يملآن الفضاء بنهيقهما. نظر الطاهر حوله بحثًا عن مكان للجلوس، لكنه همس بعد ذلك للنَّادِل أنه يفضل تناول كوب من الشاي في غرفته. قال النادل: سأحضره لك على الفور.
 
أكل الطاهر الكعكة وشرب الشاي واستلقى على ظهره، ولكن فجأة قَفز إلى حقيبته التي كانت ملقاةً عند قدميه، وأخرج أوتاره وضمَّه إلَيه.
وضع أوتاره فقط أثناء قيامه بصلاة المغرب ثم بعد ساعة أو نحو ذلك، صلاة العشاء. لذا عندما عاد إسماعيل ووقف عند باب الغرفة، كان الطاهر لا يزال ينقر أوتاره.
قال إسماعيل وهو يجلس القرفصاء أمام الطاهر: هذه مفاجأة سارة بالنسبة لي!
قال الطاهر وهو يضع أوتاره: أعجبتك؟
- بالتأكيد! ولكن الآن قم! كما قلت لك، ستتناول العشاء معي الليلة. سأدعو رجلاً آخر للعشاء.
- من فضلك، أنا شخص خجول، كما تعلم! لا أشعر بالراحة مع الغرباء.
قال إسماعيل وهو يقبض على كُمِّ الطاهر: قلت قُمْ! هذا الرجل الذي سيتناول العشاء معنا لا يشبه أي رجل آخر رأيته في حياتك. قم بسرعة!
كان ذلك الضيف المُمَيَّز رجلًا عجوزًا في السبعينيات من عمره، لكنه ما زال قادرًا على المشي دون عصا. كان يعيش على مقربة من المسجد حيث التقى الطاهر وإسماعيل لأول مرة. في طريقهما إلى منزل إسماعيل، لم يَنطق الطاهر بكلمة. في البدايةِ فَكَّر في الرجل العجوز، مُتسائلاً مِن أيِّ جانبٍ سيكون مميزًا بالنسبة له. ولكن بعد ذلك تَحَولت أفكارُه إلى امرأةٍ لفتَت انتباهَه للتَّوِّ ثُم سارعت إلى إغلاق نافذتِها حتى تتمكن من إلقاءِ نظرةٍ خاطفة عليه من خَلْف المصاريع. في زُقاق آخَر مُضاءٍ بالقمر كانت امرأةٌ أصغرَ سنًا بكثير تنظُر إليه من خلْف بابِ منزلها. كان الطاهرُ مُنبهِرًا، لكنه مُحرَج.
تضاعف إحراجُه عندما خطا إلى داخل منزل إسماعيل. كان منزلًا كبيرًا، مَطليًا ومُبلَّطًا بشكل جميل. نظر الطاهر إلى الأمام مباشرة، لكن عينيه كانتا تدوران يمينًا ويسارًا باحثَتينِ عن زوجة إسماعيل. كان يريد أن يرى وجهَها. أرادَ أن يرى ما إذا كانت جميلة. كان إسماعيل يقول له: تَصَرَّفْ وكأنك في منزلك! لا داعي للخجل في منزلي.
في غرفة الضيوف، حكى إسماعيل للرجل العجوز قصةَ الطاهر. بين الحين والآخر كان الرجل العجوز ينظر إلى الطاهر بينما كان إسماعيل يتحدث.
قال الرجل العجوز فجأةً: لا تُخبِرني بالمزيد! هل تُريدُني أن أدعُوَ له؟ هذا ما سأفعله عندما ننتهي من الأكل، إن شاء الله. أشُمُّ رائحة الطاجين، إن لم أكن مخطئًا؟
قال حسين بابتسامة كبيرة: هذا صحيح. إنه طاجين. لقد تم إعدادُه خصيصًا لك!
- أوه، شكرًا لك!
بينما كانوا يأكلون، فكَّر الطاهر في الأيدي الصغيرة التي أعدَّت هذا الطاجين اللذيذ. ولكن بمجرد أن تناولوا الطعام، واجهه الرجل العجوز وقال:
- قبل أن أدعوَ لك يا بُنَي، دَعونا نقرأ بعضَ القرآن.
ولحُسن حظِّ الطاهر، بدأ الرجل العجوز بأقصر السور التي تَعلَّمها في مراكش.
بعد ذلك قال الرجل العجوز:
- والآن، ما هي أمنيتك؟
- أتمنى أن أصبح خياطًا، سيدي.
فبدأ الرجل بالدعاء. وكان سخِيا في دعائه.
لكن الطاهر كان مُتشكِّكًا بعضَ الشيء. همَس لصديقه إسماعيل أنه يرغب في معرفة متى ستُستجاب هذه الدعوات. أخبر إسماعيل الرجل العجوز بذلك، فابتسم وقال له:
- متى دعوتُ لكَ؟
قال إسماعيل مبتسمًا:
- لقد دعوتَ لي عندما كنتُ في الثلاثين من عمري.
(نظر الطاهر مشدوهًا.)
- ومتى تحققت أُمنيتُك؟
- من الناحية المالية، تحققت قبل عامين.
- أي عندما كنتَ في التاسعة والثلاثين من عمركَ.
- نعم، عمي عبد الرحمن، لكن الطاهر يبلغ من العمر واحدًا وعشرين عامًا فقط. لا يمكنه الانتظار مثلي.
- دعني أسأله، هل يمكنك الانتظار؟
قال الطاهر بصوتٍ حزين:
- آملُ ذلك. المُهم عندي هو ما إذا كانت دعواتكَ لي ستتحقق.
قال إسماعيل:
- لا مجال للشك في ذلك. إذا دعا عمي عبد الرحمن لأي شخص، فيمكنك التأكد من أن دعواته ستتحقق عاجلاً أم آجِلاً. إنها مسألة وقت فقط.
قال الرجل العجوز:
- يبدو أن صديقَك لم يفهمْ بعدُ.. انظر يا بُني. (تابع وهو ينظر إلى الطاهر) الله لا ينظرُ إليكَ وحدك. الله ينظر إلى ما هو أبعد منك. إنه ينظر إلى العالم كله من حولك. إذا أعطاك الله شيئًا الآن، فقد يعطيه لأحد أطفالك الذين لم يُولدوا بعدُ من خِلالك. إذا أراد الله أن يكبر طفلك في منزل جميل، فسوف يوفر لك الوسائل للحصول على منزل جميل، حتى لو لم تستحقه بنفسك. إذا أراد الله أن يكون طفلك جميلاً، فسوف يجعلك تتزوج امرأة جميلة، حتى لو لم تستحقها بنفسك. إذا أعطاك الله شيئًا جيدًا الآن ولا تستحقه، فقد يكون وراءه شيء سيءٌ في انتظارك. ولَن تعرفَ متى أو كيف سيحدث لك ذلك السُّوء. إذا كنتَ لا تعبدُ الله ومع ذلك لديكَ ورشةُ عملٍ كبيرة أو أراضٍ خصبة واسعة، فقد يمنحكَ ذلك لأنه يَعلمُ أن مؤمناً صالحاً يَعبده طولَ الوقت بإخلاص سيكون سعيدًا جدًا بالعثور على عملٍ، مَهما كان متواضعًا، في ورشتك أو في حقولك وسيشكرُ الله على ذلك ويُكرِّس حياته لله. لا تتخيلْ أن الله يتصرف بشكل عشوائي!
قال الطاهر بخجل: كيف أعرف أنني أستحق ذلك أو لا أستحقه؟
قال الرجل العجوز: ستعرف من خلال النظر في سلوكك الخاص. انظر إلى هذا الرجل هنا. لم يكن أقل وسامة منك، إن لم يكن أكثر. أعرف نساء كانت لديهن رغبة كبيرة في الزواج منه. تزوجت هؤلاء النساء من رجال آخرين منذ سنوات، لكن إسماعيل بقي أعزبًا حتى أكثر من عام بقليل. لم يستطع الزواج في العشرينات من عمره أو حتى في الثلاثينيات من عمره لمُجرد أنه كان مُعدِماً.
أكثرُ ما أعجبني فيه هو أنه كان على دراية بما كان يحدث له. قد تُفاجأُ، نظرًا لِسِنِّكَ، لكن هذا الرجل كان دائمًا واضحًا مع نفسه. لقد أخطأ، نعم، لكنه كان شجاعًا للاعتراف بأنه خاطئ. كان دائمًا يعترف بذنوبه الماضية ويطلب المغفرة من الله. وقد ساعده ذلك على تَحَمل مصاعبه. لذا، إذا كنت آ الطاهر تريد الزواج وأنت صغيرٌ جدًا ووَسيم جدًا، فكُن حذرًا! فَكِّر بِأنَّ اللهَ على يمينك والشيطانَ على يسارِك. أعلَمُ أنكم أنتم الشباب تكرهون الوعظ، لكنني أعلم أيضًا أنكم تحبون السعادة!
في تلك الليلة عاد الطاهر إلى الفندق مُحبَطًا للغاية. كان يتمنى رؤية زوجة إسماعيل، لكنه فقط سمِع صوتَها.
في صباح اليوم التالي كان في مَحل حْسين.
سأل حسين: هل تناولتَ الفطور؟
- نعم، وأنت؟
- لقد تناولتُ الفطور أيضًا، ولكن كوبًا من الشاي الآن لن يزيدَني إلا فَرحا ومَرحاً، ألا تعتقد ذلك؟
قال الطاهر وهو يُدخل يدَه في جيبه: وأنا سأدفع ثمنه بكل فرح وسرور!
قبْل أن يأتي الشاي بدأ حْسين في تعليم الطاهر ما يُعَلِّمه خياط ماهِر لمُتدربٍ صغير جدًا. ولدهشة الطاهر، كانت كلمات حْسين كالموسيقى في أذنيه. بدا الأمر وكأنه يحفظ عن ظهر قلب إحدى أغاني سعيد الباهي الدينية. كما فوجئ حسين عندما قال له الطاهر:
أود أن أصنع گندورة مثل هذه. أعتقد أنها أسهل بالنسبة لي
قال حسين: حسنًا! سأعطيك كل المواد التي تحتاجها. ولكن الآن لِنشرب الشاي أولاً!
وهكذا مر ذلك الصباح الأول بسلام. في فترة ما بعد الظهر، دخل رجل يتحدث العربية بلكنة بربرية، وحيّا حسين، وقال له: أريد هذا وهذا وهذا. كان مبتسماً وهو يقول ذلك. ولكن عندما وصل الأمر إلى نقطةِ الأداءِ، تجمدت ابتسامته الأخيرة على شفتيه.
قال حسين: إنه يهودي. إنه دائماً هكذا. لكنه عميل جيد.
قال الطاهر، متظاهراً بالاهتمام: هل يأتي كثيراً؟
- نعم، إنه عميل لي منذ أكثر من خمس سنوات. هو يعيش في موگادور. يأتي إلَيَّ مرة واحدة في الأسبوع.
- تقصد أنه تاجر؟
- نعم، هو كذلك. إنه بائع متجول. يتجول في جميع أنحاء المنطقة. يذهب من باب إلى باب ومن دوار إلى دوار. وأحياناً يذهب إلى مراكش!
- أعرف رجلين يهوديين يفعلان نفس الشيء تماماً. كثيراً ما يأتيان إلى قريتنا. لكنني لم أر هذا الرجل من قبل.
- الآن انسَ أمره تمامًا وركز على عملك. كُن حذراً، قطعةُ القماش هذه حساسة. لكني أرى أنك تبلي بلاءً حسنًا! هيا!

وبالفعل، كان أولُ فستانٍ له جاهزًا بعد سبعة أيام.
صاح حسين وهو يمسك بالفستان بعناية: أحسنت! إنه فستان مذهل! جيد جدًا!
قال الطاهر، وقد شجعته تعليقات حسين: الآن أريد أن أصنعَ تكشيطة!
- لا يا صديقي. من المُبكر جدًا أن تبدأ في التكشيطة!
- لكن دعني أحاول.
- اصنعْ لي ثلاثةَ فساتين أخرى مثل هذا وسأسمحُ لكَ بعمل تكشيطة، مُوافق؟
قال الطاهر على مضض:
- حسنًا!
الآن، مع ظهور المزيد والمزيد من النساء هنا وهناك، وجد الطاهر نفسه يفكر في النساء أكثر من أي شيء آخر. والمرأة التي فكر فيها الآن هي زينة. حاول أن ينسى كل شيء عنها. حاول أن يفكر بجدية أكبر في الزاهية. لكن زينة كانت هناك، لا تزال في قلبه. لقد رأى زينة. لقد تحدَّث مع زينة. لقد ضحِك مع زينة. لقد حلم بزينة. والآن ستتزوج زينة قريبًا، ربما في الأسابيع القليلة القادمة أو بعد عيد الأضحى بقليل.
حتى عندما يعود إلى الفندق عند غروب الشمس، كان يلتقط أوتاره ويغني أغانيه القديمة، تلك التي غناها لزينة.
الآن لم يعد راغباً في صنع فساتين للزاهية. فقد أصبحت صناعة الملابس بالنسبة له سهلةً للغاية وَمُمِلة للغاية، حتى أنه لم يَعُد يفكر فيها. لقد أصبح كل عمله الآن تافهاً، وحياته كلها مملة.
لذا ركض ذات مساء إلى الرجل العجوز الذي دعا له وقال:
عمي عبد الرحمن، لقد جئت لأخبرك أن دعواتك من أجلي تبدو وكأنها تحققت. لقد نجحتُ في صنع فساتين جيدة أسعدت الخياط.
قال عبد الرحمن، الذي كان جالساً على كرسي مع رجال مسنين آخرين بالقرب من المسجد: هذا أمر جيد! والآن، ما المشكلة؟
- حسناً، سيدي، بدأت أشعر بالحنين إلى بلدتي. أشعر بالوحدة.
- فماذا يمكنني أن أفعل من أجلك؟
- أتساءل عَمَّا إذا كنتَ تعرفُ مدرسة أو أي مكان آخر حيث يمكنني قضاء المساء وتَعَلُّم شيء جيد؟
- هل ترغب في الانضمام إلى زاوية؟
- هذا سيجعلني سعيدًا!
- حسنًا! تعال!
انضم الطاهر إلى الزاوية. كان سعيدًا بالجلوس مع عشرات الرجال من جميع الأعمار في منزل كبير مُعَطَّر بالمسك والعنبر. لم يستغرق الأمر سوى القليل للتغلب على خجله. أعطوه كتابًا، لذلك انضم إلى الترانيم بأفضل ما يمكنه.
ولكن عندما عاد إلى غرفته في الفندق وجد نفسه يفكر في زينة مرة أخرى. في الصباح التالي فكر فيها مرة أخرى. انتظرَ (في خياله) أن تَمرَضَ بسببه وترفض كل العلاج حتى يعودَ هُوَ، الطاهر، إليها ويَقولَ لها إنه لا يزال يُحبها وأنه سيتزوجها!
جاء يوم الخميس. وجاء إسماعيل. لكن القصة ظلت كما هي. رفضت زينة الخروج من رأسه.
مرت الأيام على هذا النحو حتى جاء في إحدى الأمسيات غريب إلى الطاهر بينما كان يطلب عشاءه في غرفة الطعام في الفندق.
قال الغريب: هل لي أن أتحدث معك؟
- نعم.
جلس الاثنان على الحصيرة وتحدثا أثناء تناول الشاي.
قال الغريب: صدقني، لستَ بحاجةٍ إلى تَعَلُّم أكثر مما تعلمتَه بالفعل. بمجرد صنع فساتين مثل تلك التي صنعتها ستجني ثروة بالتأكيد! ذلك الرجل الذي تعمل لديه يريد فقط أن يستغلك. تعالَ واعمل معي. سأدفع لك أجورًا جيدة. ستصبح ثريًا في غضون أشهر.
غادر الغريب وقضى الطاهر تلك الليلة في التفكير. وفي الصباح عاد إلى دكان حسين.
قال بعد لحظات من وصوله: سيد حسين، يجبُ أن أتعلمَ المزيد. يجب أن أصنعَ دفينة وتحتية الآن. إنه أمرٌ لا بُدَّ منه بالنسبة لي!
- لا، لا، يا صديقي! لستَ بحاجة إلى تَعَلُّم كل هذا. فقط استمر في صنع نفس الفساتين التي كنت تصنعها!
- لقد فعلت أكثر مما يكفي، وأنا من دفع لك. لم تدفع لي فلسًا واحدًا!
- سأدفع لك هذه المرة. أعِدُك!
- لا، سيدي! يجب أن أصنع دفينة وتحتية. سآخذهما إلى عائلتي عشية العيد، ثم سأعود وسأعمل لديك. سأصنع أي فساتين تريدها.
- لا، ولكن -
استسلم المْعلَّم في النهاية وبدأ الطاهر العمل على دفينة. وشيئًا فشيئًا، وجد نفسه يفكر في الزاهية مرة أخرى. وفكر فيها أكثر عندما جلس مع الرجال الطيبين في الزاوية. وغنى لها عندما كان بمفرده في الفندق.
بعد شهر كان على حصانه عائدًا إلى قريته.
قال لعائلته بفخر: هذان فستانان من الفساتين التي صنعتها!
قالت والدته: كم هما جميلان! ولكن هل كسبتَ أي أموال؟
- ليس بَعدُ، أمي. كنتُ مجرد مُتدرِّبٍ، كما تعلمين. ولكن في المرة القادمة سأُحْضِر بعضَ المال معي.
قالت والدته: نحن لسنا بحاجة إلى أموالك، كما تعلَم. ولكن إذا كنت تريد الزواج وتكوينَ أسرة، فيجب أن تكسب رزقك بطريقة ما.
- أعلم يا أمي. إذا لَمْ أكسِب ما يكفي من المال من صُنع الفساتين، فسأعود للعمل في الحقول.
قال والده: لِحُسن الحظ، كان العبيدُ هنا أثناء غيابكَ. أتساءل ماذا سأفعل عندما يَرحَلون.
قال الطاهر: سأجدُ لك عاملًا أو عاملين. لا تَقلَق.
قالت والدته: ماذا يوجد في حقيبتك؟
قال الطاهر وهو مُحمَرُّ الوجه: فقط أوتار وملابس لي. يجب أن أترككم الآن. سأذهب إلى الكريمات لأُقَدِّم التهاني للقاضي بمناسبة العيد.
- انتظِرْ! انتظر لحظةً!
لكن الطاهر حمل حقيبته وخرج مسرعًا من المنزل. ركب سرج حصانه وانطلق إلى قرية القاضي.
لم يظهر القاضي إلا في وقت متأخر من المساء.
قال وهو ينظر بريبة إلى الطاهر الذي كان يقف عند جذع شجرة خارج منزل القاضي
ماذا تفعل هنا؟
- جئتُ لأُخبركَ أن الفساتين جاهزة الآن.
- أيَّ فساتينَ تَقصِد؟
قال الطاهر وهو يفتح حقيبتَه بيديه المرتعشتين:
- حسنًا، انظر! ها هي الفساتين. لقد صنعتُها. لقد صنعتها بنفسي، بمساعدة الخياط الرئيس. هذه هي الدفينة، وهذه هي التحتيّة.
- من أين حصلتَ عليهما؟
- قلت أنني صنعتها! أقسم بذلك!
- صنعتَها في أقل من أربعين يومًا؟
- دعني أشرح لك يا قاضي! عند وصولي إلى موگادور، صادفتُ شابًّا قدَّمني إلى رجل عجوز دعا اللهَ لي. لقد فوجئت بنفسي عندما شعرتُ أنني أتعلم بسرعة كبيرة!
- من هو ذلك الرجل الذي دعا لك؟
- كل ما أعرفه أنه يُدعى عمي عبد الرحمن. أستطيع أن آخذك إليه، إن أردت.
- متى عدتَ من موگادور؟
- جئتُ في وقت سابق اليوم.
- هل رأيت الزاهية؟
- لا.
- هل تريد رؤيتَها؟
- نعم.
- متى؟
- غدًا.
 - غدًا سيكون يومَ عيد.
- أعلم. لكن لا أستطيع الانتظار.
- حسنًا! سأحاول القُدوم إلى قريتكم بعد ظهر غدٍ وسأصطحبك إلى منزلها. هل يناسبك ذلك؟
- لا سيدي! لا يمكنني الذهاب إلى منزلها الآن. أنا شخص خجول، كما تعلم. لا أريد أن أبدو سخيفًا أمامها.
- ابتسم القاضي وقال:
- حسنًا! سنلتقي في مكان ما حول منزلها، إذَن.
- شكرًا لك! هل يمكنني تركُ هذه الفساتين عندك؟ لا أريد أن تراها عائلتي.
قال القاضي، وقد انفجر ضاحكًا:
- حسنًا، كما تشاء!
كان الطاهر سعيدًا جدًا لدرجة أنه لم يستطع النوم تلك الليلة.
في صباح اليوم التالي، تَجنَّب الجميعَ حتى بدأت والدتُه في إعداد شواءٍ في فَناء منزلهم في وقت ما عند الظهيرة. ولكن حتى في ذلك الوقت، كان لدى أفراد أسرته الآخرين، الذين كانوا يجلسون حوله، الكثير ليتحدثوا عنه لدرجة أنه لم يكن بحاجة إلى التحدث معهم على الإطلاق. انزوى داخل نفسه، وانتظر بصبر الساعات التي تبقَّت على موعد اللقاء.
جاء القاضي في وقت متأخر من بَعد الظهر فَوَجد الطاهراً مُرتدِياً لا جلباباً عادياً، بل ثوباً أبيضَ جميلاً لامعاً عند العُنق تحت جلبابٍ أبيضَ ملفوف بسلهام أسود رقيق. ووضع على رأسه عمامة صفراء، وكان نَعلاه الأصفران يُبهٍجان العَين. باختصار، كان يبدو في أفضل حالاته، ومظهرُه الجميل الطبيعي أعطاه هالة الأمير.
على الجانب الآخر من النهر كانت الزاهية تنتظر مع والدها في بستان زيتون. لم تكن ترتدي حَيكاً عادياً، بل تكشيطة زرقاء ووِشاح سميكاً أصفر وأبيض اللون مُزَيَّناً بقطع نقدية قديمة رَنَّانة. وكانت ترتدي شربيلاً أخضر غايةً في الروعة.
 
كان القاضي أولَ من تحدث إليها. بدا وكأنه التقى بها قَبل أن يُحضِر الطاهر، ولكن حتى الآن كان الطاهر يُعَلق على مصيره على شفتيها.
قالت فجأة: تعال!
خطا الطاهر خطوات سريعة نحوها.
قال بصوت مرتجف: السلام عليكم!
أجابته وهي تَرمُق بعينيها الزرقاوين كل ملامح وجهه المحمر: وعليكم السلام !
قال الطاهر وهو ينظر إلى القاضي ووالِد الزاهية اللذين كانا يتجهان نحو شجرة زيتون أخرى: - هل أعجبتكِ الفساتين؟
- نعم أعجبتني.
- هل يمكنني الزواج بكِ الآن؟
- لا!
- لماذا؟
- لا يمكنك دخولُ حياتي قبل أن أدخل قلبَك.
- ماذا تقصدين؟
- حسنًا، لم أكن مُهتمةً بأي من الفساتين التي صنعتَها، لأكون صادقة معك. أردتُ فقط أن تذهب وتبتعد عن هذه الأراضي لبعض الوقت. أردت أن تُطهِّرَ قلبك وعقلك من زينة. (اندفع المزيد من الدم إلى وجه الطاهر بينما واصلت الزاهية حديثَها،) لم أتوقع عودتك مبكرًا. الآن عُدْ إلى موگادور وابقَ هناك حتى تصنع لي المزيد من الفساتين. لا تعُد إلى ذلك الرجل العجوز للدعاء من أجلك حتى تتمكن من صُنع الفساتين في ثلاثة أيام. أنا لست في عجلة من أمري. مبارك عيدك! وداعا!
- انتظري لحظة!
لم تنتظر الزاهية لحظة. توجهت بخطوات متثاقلة نحو والدها. وفي الطريق، تبادلت بضع كلمات مع شاب عابر. جاء القاضي نحو الطاهر وهمس له:
- الآن، من فضلك، اذهب! لا تدخلنا في مشاكل هنا!
- من هو ذلك الرجل الذي تَحدثَّتْ إليه؟
قال القاضي مبتعدًا عنه:
- قلت اذهب!
أمضى الطاهر تلك الليلة في الفَلاة، يتحدث إلى نفسه والقمر والنجوم. وفي الصباح، كان يركض عائدًا إلى موگادور.
مرة أخرى، حَجز غرفة في الفندق، وذهب للعمل في دكان حْسين.
في الخميس التالي، تَوسَّل إلى حْسين لِيمْنحَه قسطًا من الراحة حتى يتمكن من قضاء بعض الوقت مع إسماعيل. أخذه إسماعيل إلى الصقالة. جلسا على أحد المدافع المواجهة للبحر.
قال الطاهر فجأة:
- هل تثق بزوجتك؟
- كنا نتحدث عن البحر، أليس كذلك؟ لماذا تسألني الآن عن زوجتي؟
- شيء في قلبي يدفعني إلى ذلك. أرجوك أخبرني، هل تثق بزوجتك؟
- حسنًا، أتظاهر بذلك.
- هل تقصد أنك لا تقلق؟
- اسمعْ، قال عمي عبد الرحمن إنَّ عليك أن تكون حذِراً، إذا تذَكَّرت. كان يقصد بذلك أن تنتبه إلى سلوكك. إذا كنت تتصرف بشكل جيد؛ إذا كنت رجلاً صالحاً، إذا كنت تصلي بانتظام، إذا كنت لا تأخذ الرشوة، إذا كنت لا تأخذ أموال الناس إلا بالحق، إذا كنت لا تغازل النساء غير زوجتك، إذا كنت تشعر دائماً أن الله يُراقبك، فلا داعي للقلق! ثُم إذا فعلَتْ زوجتُك شيئاً خاطئاً، فسيكون ذلك "أمراً سيئاً بالنسبة لك"، كما قال عمي عبد الرحمن، أي عقاباً لك على شيء فعلتَه في الماضي ونسيتَه تماماً. ولكن حتى في هذه الحالة، إذا لم تتغير إلى الأسوأ، فمن المؤكد أن الله سيمنحك شيئاً أفضل.
- تقصد زوجة أفضل؟
- لِمَ لا؟ انظر، دعني أُخبِرك بشيء. لا يمكنك أن تجعل زوجتك وفية لك بمُجرد ضَربها أو سَجنها أو التجسس عليها طوال الوقت أو إخضاعها لاختبار تلو الآخر. هذا لن يُفيد في شيء. أَحِبَّها وكُن وفياً لها ولا تُقَدِّم لها إلا الطعام والبضائع التي اشتريتها بأموال نظيفة أموال كسبتها بعَرَق جبينك. افعل ذلك ثم ائتمن زوجتك على رعاية الله. إذا كانت زوجة صالحة ستبقى معك بفضل الله ونِعمته. إذا تبين أنها امرأة طالحة، فسيجعل لكَ الله حلاًّ. ثم دَعني أُنهي حديثي بهذا. لقد كنت أنا بنفسي خاطئًا. وثِقَ بي كثير من الناس بينما أَكن جديراً بالثقة. آملُ أن تكون معاناتي في الماضي عقابًا لذلك. الآن، لأقولَ لك الحقيقة، أنا لستُ قلقًا بشأن زوجتي، لأن لدي شعور قوي بأنَّ الله اختارها لي. والحمد لله.
- هل كنت تحب زوجتك قبل أن تتزوجها؟
- الآن، هذا يكفي! من فضلك، انسى كل شيء عن زوجتي. لننتقل من هنا.
- أنا آسف، لم أقصد-
لقد تأذى الطاهر بشدة من الطريقة التي وبَّخَه بها إسماعيل. لقد عَبَس إسماعيل في وجهه.
الآن عاد إلى الفندق. مَلأَ بَطنه بكعكة كبيرة وثلاثة عناقيد من العنب. ثم استلقى على ظهره وأغمض عينيه. فجَاءَهُ وجهُ الزاهية كطائر يطير بجناحيه. كانت عيناها الزرقاوان ووجهها الفاتح جَذَّابَين، وهمساتها مُهَدِّئة.
في صباح اليوم التالي غادر الطاهر الفندق في وقت متأخر عن المعتاد. استقبله حسين قائلاً: أين كنت طوال هذا الوقت، يا ابن العاهرة؟ ألقى عليه الطاهر نظرة لاذعة وبصق في وجهه وعاد إلى الفندق. جمع أغراضه، وأحضر حصانه وركب عائداً إلى المنزل.
تحدثت عائلته وأطالت الحديث ولم يَهتَم. ذهب إلى المسجد. صلى وتحدث مع الإمام. ثم عاد إلى المنزل، وأحضر حقيبته وهرول إلى النخلة على ضفة النهر.
غَنَّى. خرجت الزاهية. وقفت بعيدًا عن ضفة النهر ونظرت إلى الطاهر وهو يعزف على أوتاره. تقدم شابٌّ نحوها وتحدث إليها. توقف الطاهر عن الغناء. قبل أن يتمكن من فِعل أي شيء، اختفت الزاهية خلف المنازل. ذهب الشاب الذي تحدث معها في اتجاه آخر. كان الطاهر يلهث وقلبه يخفق.
بعد ساعة، كان في الكريمات، قرية القاضي.
قال القاضي وهو ينظر إلى الطاهر بطرْف عينيه :
- ماذا تفعل هنا؟
- يا قاضي، رأيت رجلاً مع الزاهية!
قال القاضي، رافعًا صوته:
- أين ومتى؟
- في قريتها. اليوم.
- اسمع! حاولتُ مُساعدتَك لأنني اعتقدتُ أنك ناضج وعاقل. الآن، لا تَعُد إليَّ مرة أخرى! ابتعد عن الفتاة! إذا تحرشت بها يومًا ما، فستكون هذه نهايتَك. سأقدم شكوى ضدك إلى القايد!
أرسلت كلمات القاضي هذه قُشَعريرة أسفل ظهر الطاهر. انحنى برأسه وقاد حصانه بعيدًا عن منزل القاضي.
ثم أمضى يَومين يتجول في المكان، لا يعرف ماذا يفعل بنفسه. كان اليوم التالي يوم الأربعاء، لذا أخذ أوتاره وجلس في ظل شجرة البطم وغنى لنفسه بينما كان العشاق من القريتين يستمتعون بأنفسهم في الوادي.
فأتى صوتٌ بشكل غيرِ متوقع: السلام على من يَجلس هناك!
التفت الطاهر وفَغَر فاه. كان أحدَ الباعة الجائلين اليهود.
قال اليهودي وهو يقترب من شجرة البطم: الطاهر؟ لماذا تجلس هنا وحدَك؟
قال الطاهر بابتسامة عريضة: أهلا ومرحبًا، عمي داود!
ثم نهض وقال: كنت أتوق لرؤيتك!
- لرؤيتي أنا؟
- نعم!
- لماذا؟
- أريد أن أعمل معك.
- أن تعمَل معي؟ كيف؟
- أنا أصنعُ الفساتين وأنت تبيعُها وتُعطيني نَصيبي من الأرباح.
- لكنني لا أبيع إلا الفساتين الجيدة، مثل تلك التي اشتريتَها مِني لأمِّك. كيف يمكنك أن تصنع بنفسك فساتين جيدة؟
- كنت متدربا لدى المعلم حْسين، الخياط الرئيس في موگادور، هل تعرفه؟
- بالطبع، أعرفه! والآن، ماذا تتوقع مني؟
- حسنًا، سأعطيك بعض المال لشراء المواد اللازمة. سأصنع الفساتين وسأعطيها لك لبيعها، واضح؟
- حسنًا! هذه فكرة جيدة.
 
بَنى الطاهر لنفسه سقيفة على مسافة قصيرة من منزل والديه. ووجد متدربًا. وبدأ العمل.
وانتشرت الأخبار بأنه أصبح الآن خياطًا. فجاء إليه الناس، رجالًا ونساءً، يطلبون منه أن يُسدِل حاشية أو يَخيط شِقًّا أو يُثَبِّت زِرًّا. لكنه ردَّهم بلطف قائلًا إنه يصنع فساتين جديدة فقط ليبيعها عمي داود في مكان آخر. كانت الطيور تغرد فوق رأسه أثناء عمله. وكانت والدته تحضر له غداءه في منتصف النهار. وكان كل شيء على ما يرام.
 
ولكن بعد ذلك جاء اليوم الذي امتلأت فيه القرية بالخيول، وملأت النساءُ الفضاءَ بصيحات الفرح، ورقَص الأطفال في ملابس حُرموا منها حتى في يوم العيد.
 
كان ذلك يومَ الزفاف. كان العشاق من القريتين يتزوجون الآن، لإسعادِ أُسَرهم. وكانت أسرة الطاهر تنضم إلى الناس. كانوا يشاركون في الاحتفالات، لكنهم لم يشاركوا في الفرح. لم يَكُن لديهم عريس أو عروس ليقيموا لهم احتفالاً.
 
كان والد الطاهر وشقيقُه يشاركان في مواكب الخَيَّالة. وكانا يُجَهِّزان خيولهما منذ فترة. حتى أن شقيقه غَيَّر بندقيته واشترى بارودًا جديدًا.
 
كان الطاهر نفسه يستمتع دائمًا برؤية الخيول وبرُكوبها في التبوريدة. كان يُحب أن يَقف جوادُه مع الخيول الأخرى التي تتجمع في البداية ثم ينتظر بفارغ الصبر إشارةَ البداية حتى يتمكن من دفع جواده إلى الأمام، جنبًا إلى جنب مع الخيول الأخرى، حتى يُعطيهم المْقدم إشارة الإطلاق، بينما تملأ النساء الواقفات على جانبي الحقل المكان بالزغاريد.
لكن اليوم كان مختلفًا. لم يكن لدى الطاهر القلب للقيام بذلك في اليوم الذي سيتزوج فيه شخص آخر من زينة.
 
لم يغادر الطاهر القرية، رغم ذلك. ذهب فقط إلى شجرة النخيل على ضفة النهر. جلس هناك وغنى لنفسه بصوت خافت. لم يُحضِر معه أوتاره. أحضَر فقط سَلة مليئة بالعنب.
وبينما كان يأكل ويغني، ظهر شكل إنسانٍ على الجانب الآخر من النهر. إنها هي! صاح الطاهر في نفسه. إنها الزاهية! أُقسِم بالله إنها هي! ولكن لم يستطع أن يُصَدق عينيه. سارت الزاهية ببطء نحو النهر. بدت وكأنها متجهة إلى قرية الطاهر. لكنها توقفت عند حافة الماء. انْحَنت ورشَّت وجهها بالماء، ثم وقفت، ونظرت إلى الطاهر واستدارت لتذهب. راقبها الطاهر بقلب ينبض. بمجرد اختفائها استدار وركض إلى المسجد، ووجهه متوهج من اللذة. جلس في المسجد وتيمم، لكنه تذَكَّر بعد ذلك أنه لا يجوز الصلاة في هذا الوقت من اليوم. لذلك غادر المسجد وعاد إلى شجرة النخيل على ضفة النهر. بقي هناك حتى أذَّن المؤذن لصلاة المغرب.
 
في اليوم التالي عاد الطاهر إلى عمله. وبعد أسبوعين، بدَأ عُشاقٌ محتمَلون جُدُد يَظهرون أسفلَ الوادي. في البداية، ظل الطاهر جالسًا في ظل شجرة البَطْم، يُراقِب. ولكن بعد ذلك رأى شكلًا يشبه تمامًا ما رآه من قَبل. كان نفسَ الشكل، نفسَ المِشية. ولكن الآن؟ هنا؟ هل يمكن أن تكونَ هي؟
 
نهض الطاهر، وفي لمح البصر، كان على الجانب الآخر. نظرت إليه العديد من الفتيات، مما جعله يحمر خجلاً. بدا وكأنه يبحث عن شخص ما، ثم جلس على كَومة من الشجيرات الجافة على مسافة قصيرة من المجموعة الأبعد إلى اليمين. نظرت العديد من الفتيات في اتجاهه، لكن عينيه كانتا في مكان آخر. كان يكافح لِيَبدُوَ غيرَ مبالٍ، حتى بالزاهية، التي كانت تَجلس الآن بمفردها، مُنعزلة عن الجميع. كان الطاهر مشتعلًا بالرغبة في الذهاب إلى هناك والتحدث معها. بِالكاد كانت قَدماه تلمسان الأرض. شعَر الآن بأنه أخف من الهواء. لكنه ببساطة لم يستطع فِعل أيَّ شيء. كان القاضي قد هدَّده بتقديم شكوى ضده إلى القايد. ولكن فجأة، وقفت الزاهية. كان الطاهر يرتجف. وتساءلَ ماذا يفعل. ولكن فجأة، ولِدهشتِه الكبيرة، رأى الزاهية تَشُق طريقها نحوه. رآها تقترب منه، ولكنه فجأةً نَأَى بِنظَره عنها. لم تنظر الزاهية إليه أيضًا. مَرَّت بجانبه ورأسُها منتصب.
 
وفي كل ليلة بعد ذلك، كان الطاهر ينام ويحلم بأن الزاهية ستفعل مرة أخرى ما فعلته في ذلك اليوم. ولكن الزاهية لم تظهر مرة أخرى، وبدأ الطاهر يَلومُ نفسه.
لقد سئِم من الذهاب إلى النخلة أو إلى البطمة على ضفة النهر على أمَل أن يَلمحَها.
 
بدأ الناس يحرثون أراضيهم. كانت السماء تزداد غيومًا مع مرور كل يوم. وسرعان ما بدأ المطر يَهطل. لم يعد هناك مكانٌ للجلوس على ضفة النهر. كانت كل الأماكن مُبلَّلة، أو هكذا بَدَت للطاهر. وكان هناك المزيد والمزيد من المياه في الوادي. كان الجَدول يتضخم تدريجيًا ليتحول إلى مجرى مائي جارٍ، مما جعل من المستحيل على العشاق أن يَلتقوا لشهور قادمة.
 
كان هذا هو العزاءَ الوحيدَ للطاهر. ولكن إلى متى؟

  

  •                                                                   
  •                                                                  الفصل الثالث
  •                                                                  الفصل الرابع
  •                                                              الفصل الخامس
  •                                                              الفصل السادس
  •                                                                  الفصل السابع
  •                                                                   الفصل الثامن


النسخة   الإنجليزية


THE TAILOR OF MOGADOR



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire