النسخة الإنجليزية
النسخة الفرنسية
Né à Mohammédia au Maroc en 1966, Mohamed Ali Lagouader est titulaire d'une licence en anglais en 1990 et d'un diplôme de traducteur en 1994. Il a travaillé ...
51,20 €
الفصل الأول
كان الوقت ظُهراً و كان اليوم ثالث ثلاثاء من شهر رمضان عندما وصل القاضي إلى الضفة الجنوبية للوادي. تَحَلَّق حوله الشبان الخمسة وهو يشق طريقه ببطء نحو شجرة البطم. لم يكن لهذه الشجرة و لا لغيرها ظل في هذه الساعة من اليوم، لكن الشبان بدوا قلقين لدرجة أنهم لم يكونوا ليترددوا عن الجلوس على مجمر حام.
بعد لحظات من جلوسهم هناك، نظر القاضي إلى أحد الشبان. لم يكن في نظرته هاته إلا ما يشبه نظرة الوالد إلى ولده، إلا أنها أثارت في نفوس الشبان الٱخرين الغيرة و الحسد و الشك و القلق. لكن الشاب الذي نظر إليه القاضي للتو كان ينضح بسحر يأسر حتى القطط والكلاب، ناهيك عن قاض حكيم يبلغ من العمر ستين عامًا. علاوة على ذلك، في تلك اللحظة بالذات، كان ذلك الشاب قد أغمض عينيه ليحاول إخفاء دمعة غلبته. قال القاضي لذلك الشاب، مبتسمًا للأربعة الآخرين:
- تبدو حزينًا!
فاحتج أحد هؤلاء الأربعة، قائلا بصوت فيه نوع من الارتعاش:
- نحن جميعًا حزينون، يا قاضي!
فقال القاضي وقد بدا وكأنه ارتكب خطأً فادحًا:
أعلم. أعلم ذلك. ولهذا السبب أنا هنا. أريد مساعدتكم. لا أريدكم أن تكونوا حزينين. أحب أن أراكم سعداء. ولكن، كما تعلمون، من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن أجعلكم جميعًا سعداء. فأنتم جميعًا تريدون نفس الشيء. تريدون جميعًا نفس المرأة، ولكن واحدًا منكم فقط يمكنه الزواج بها. كل واحد منكم يقول إنه يحبها. كل واحد منكم يقول إنه يستحقها. لا أحد منكم مستعد لاختيار امرأة أخرى. لقد قلتم إنكم ستضحونبحياتكم إذا لم تحصلوا عليها. و والدها هَدَّد بتزويجها في نفس اليوم الذي تُزَوَّج فيه جميع فتيات القرية الأخريات، وهذا اليوم لم يتبق عليه سوى أشهر. لقد فكرت كثيرًا في مشكلتكم. لقد تحدثت إلى العديد من الأشخاص العقلاء وكلهم يُرَدِّدون أنني ما كان ينبغي لي أن أوافق على مساعدتكم. وافقت ولست آسفًا على ذلك، لكن من فضلكم ساعدوني على مساعدتكم!
قال أحد الشبان متذمرا:
- كيف نستطيع مساعدتك؟
- يمكنكم مساعدتي بِتَعَقُّلكم. سأقدم لكم اقتراحًا. فكروا في الأمر. إذا وافقتم عليه، فسأستمر. وإلا فلن أتمكن من مساعدتكم!
لم يتكلم أحد، لكن كل العيون كانت على شفتي القاضي.
فقال القاضي وهو يداعب لحيته البيضاء:
- اقتراحي كالتالي. سأعطي المرأة التي تشتاقون إليها جميعًا لمن يشبهها أكثر في صلاحها أو شرها. إذا كانت امرأة صالحة فستحصل على رجل صالح؛ وإذا كانت امرأة طالِحة فستحصل على رجل طالِح.
كان هناك ضحك، وبعد ذلك سأل أحد الشبان، رافعًا حاجبيه، و كأنه لم يصدق ما سمع:
- من سيقرر من منا صالح ومن منا طالِح؟
قال القاضي بجدية:
- سأختار أربعة رجال ليتجسسوا عليكم. سيراقبون كل واحد منكم دون علمكم. وسيراقبون المرأة في نفس الوقت. إنهم هم من سيقررون من ينبغي أن يتزوج المرأة. سيتخذون قرارهم في غضون الأشهر القليلة القادمة. و الآن دعوني أسمع منكم. ماذا تقولون في ذلك؟
قال الشاب الوسيم:
- و ماذا عن لقاأتنا الأسبوعية مع الفتيات في أسفل الوادي؟ "هل يُسمح لنا بلقاء زينة خلال تلك الفترة الزمنية؟
لم يستطع القاضي أن يمنع نفسه من التنهد وهو يستدير نحو ذلك الشاب، وقال بابتسامة الحكيم :
- يمكنكم رؤيتها، لا مشكلة. لكن تذكر آ الطاهر، رجل واحد فقط سيتزوج تلك المرأة.
قال الطاهر بصوت مكتوم:
- و قد لا أكون ذلك الرجل، نعم، فهمت.
قال القاضي وهو ينهض على قدميه:
- و الآن دعوني أذهب لحالي. أراكم قريبًا، إنشاء الله.
ما أن انصرف القاضي حتى بدأ الشبان الخمسة ينظرون إلى بعضهم البعض. بدا وكأن كل واحد منهم يستخدم عيون الآخر كمرآة لمعرفة ما إذا كان "صالحًا" أم "طالحا".
وفجأة، أدار الطاهر وجهه نحو الضفة المقابلة. تنهد. ثم نظر إلى أسفل وابتعد. فناداه أحد الأربعة الآخرين:
- إلى أين أنت ذاهب، يا هذا ؟
- أنا عائد إلى المنزل.
في المنزل، كانت والدة الطاهر تعد الطاجين، وعلى مسافة قصيرة منها، على الجانب الأيمن من الفناء، كانت زوجة ابنها البالغة من العمر عشرين عامًا تخبز الخبز في فرن فخاري. وبينهما كانت هناك شجرة ضخمة تظلل المكان بأكمله. أما كوخ الطين الذي كان يُستَعمل كمطبخ في موسم الأمطار فلم يكن الدخان يتصاعد منه الآن.
لذلك كان بإمكان الدجاجات التي يتجولن في المنزل الدخول والخروج من المطبخ دون خوف. ومع ذلك، كان الإزعاج الوحيد للدجاج هو ابن شقيق الطاهر البالغ من العمر ثلاث سنوات، الذي كان يلاحق الدجاجة مع الكتاكيت. لذلك، كان الطاهر، الذي جَلس على كرسي خشبي على الجانب الآخر من الفناء، يُحَيِّيه برفق، فركض الصبي الصغير نحوه وتأرجح ووقف بين ركبتيه.
قال الطاهر:
- ماذا كنت تفعل؟
- كنت ألعب مع الكتاكيت.
- لا، يا سالم، لا تفعل ذلك! أنت طفل، ولستَ كُتكُتا. والأطفال يلعبون مع الأطفال، والكتاكيت يلعبون مع الكتاكيت.
تحدث الطاهر بلا توقف، أولاً مع ابن أخيه، ثم مع أخيه الأكبر، ثم مع والده، وأخيراً مع الجميع. لكن لسانه فقط كان يتحدث مع كل هؤلاء. كان حديثه الحقيقي مع نفسه، وكان في صمت.
كان فُؤادُه مليئاً بالأسئلة ولم يكن عقله قادراً على إيجاد إجابات، أو بالأحرى إجابات من شأنها أن تطفئ النار التي كانت مشتعلة في قلبه.
هل أنا صالح؟ استمرت الأسئلة بلا نهاية. إلى أي مدى أنا رجل صالح؟ هل أنا طالِح؟ إلى أي مدى أنا رجل طالِح؟ لم أطرح هذه الأسئلة على نفسي من قبل. ولكن الآن يجب أن أعرف. المشكلة هي أنني لا أعرف ما يجب أن أعرفه. هل يجب أن أتجول في الطُّرقات وأسأل الناس عما يعتقدونه عني؟ من فضلك قل لي: هل أنا صالح؟ من فضلك قل لي: هل أنا طالِح؟ أم يجب أن أجلس وأحصي كل الأعمال الصالحة والسيئات التي قمت بها في الماضي؟ قد أحصي الأعمال الصالحة، ولكن الأعمال السيئة ء لا يمكن إحصاؤها! أنا لا أصلي، في البداية. من وقت لآخر أشرب مع الأولاد. أقضي ساعات وساعات في اللعب على أوتاري، وأستمر في اللعب عليها حتى عندما أسمع المؤذن يدعو للصلاة.
لكن هل زينة مختلفة؟ لا أعتقد أنها تشرب، لكنني لا أعتقد أنها تصلي هي أيضًا. لا أستطيع أن أقول إنها غانِية، لكنني لا أستطيع أن أقول إنها أكثر تقوى من صديقاتها.
لكن آ الطاهر، لماذا تفكر في زينة الآن؟ لا، لا، لا. أنا أحب زينة. لا أستطيع أن أتحمل ذهابها إلى شخص آخر. كنت أول من تحدث معها، وكانت تحبني كثيرًا ء على الرغم من أنها لم تخبرني أبدًا أنها تحبني. لكنني استطعت أن أرى ذلك في عينيها، على شفتيها، على يديها المرتعشتين. كل هؤلاء الأولاد إِنَّما أتوا إلينا ببساطة لأنهم كانوا يغارون مني. إنهم يعرفون أن زينة هي أجمل فتاة. إنهم لا يريدونني أن أتزوجها، وهذا كل شيء!... ولكن الآن، آ الطاهر، فقط أخبرني: لنفترض أن زينة امرأة طالِحة، هل تتزوجها؟ لا، لا، لا. لا أستطيع ء لا أستطيع التفكير في ذلك. أنا أحب زينة. توقف عن هذا الهراء! اخرج من هنا!
كان الظلام قد حل حين غادر الطاهر المنزل. لم يذهب إلى البَرَّاكة، حيث كان أولاد القرية يجتمعون لتناول الشاي ولعب الورق أو الاستماع إلى الأوتار. بل ذهب إلى ضفة النهر بدلاً من ذلك. جلس تحت شجرة البطم وظل يفكر حتى حان وقت السحور.
بعد يومين من رمضان، اقترب رجلان غريبان من الطاهر بينما كان يعمل في حقول عائلته.
قال أحد الغريبين:
- السلام عليك يا فتى!
فوجئ الطاهر بحرارة التحية، فأسقط المنجل، وتمتم:
- أهلاً ومرحباً.
تَصافح الرجال الثلاثة وتبادلوا الكلمات، ثم فجأة، قدم الغرباء أنفسهم:
- أنا عيسى. وهذا موسى. نريد أن نتحدث معك عن زينة.
- زينة؟
- نعم. ولكن ليس هنا وليس الآن. لا نريد أن يعرف أحد آخر.
- إن لم يكن هنا، فأين؟ إن لم يكن الآن، فمتى؟
قال موسى وهو يمسك بيدَي الطاهر:
- اسمع، سننتظرك عند مفترق سيدي علي غدًا بعد الفجر مباشرة. لا تُخبِر أحدًا. الآن، وداعًا!
عِند الفجر التالي كان الطاهر في مفترق سيدي علي. انضم إليه عيسى وموسى على الفور. أخذاه إلى كرم عنب قريب وقدما له التمر والبيض المسلوق، ثُم قال الطاهر بلهفة:
- الآن، ما الأمر؟
تبادل عيسى وموسى النظرات وكأن كل منهما ينتظر الآخر ليتحدث أولاً. كان الطاهر على وشك تكرار سؤاله عندما قال موسى:
اهدأ يا رجل! واستمع جيدًا. قاضي علال (هل تعرفه؟) - حسنًا، لقد طلب منا أن نكون عينيه وأذنيه. الآن، أعتقد أنك تعرف بقية القصة. لكن ما لا تعرفه هو أن هذا الاجتماع قد يكون حاسمًا للغاية بالفعل، ونأمل بصدق ألا تفوتك هذه الفرصة الذهبية.
- هل أفهم من هذا أنني يجب أن أفعل شيئًا أو آخر حتى تقولا شيئًا لصالحى؟
قال عيسى بحماس:
- بالضبط!
- شيء مثل ماذا؟
تبادل عيسى وموسى النظرات مرة أخرى، قبل أن يقول موسى بابتسامة خفيفة:
- حسنًا، نعلم أنك تحب زينة، لكننا نعلم أيضًا أن الحب وحده لا يكفي. ومع ذلك، يمكننا مساعدتك. لكن عليك أن تدفع لنا أولًا.
- أدفعُ لكما؟ ماذا سأدفع لكما؟
- نعم، يجب أن تدفع لنا. أعطِنا عجلًا صغيرًا أو ثلاث خراف أو سبع عنزات. الخيار لك!
نهض الطاهر وصَرخ، وهو يرمي البيضة التي كان يقشرها:
- أحضرتماني إلى هنا لأرشوكُما؟
- ششش! اهدأ! أخفض صوتك! اصمت! اخرج من هنا!...
لكن الطاهر أطلق العنان لغضبه حتى أن الرجلين اضطُرا إلى استخدام عصا كبيرة لطرده من الكرم.
في طريق عودته إلى المنزل، كان الطاهر مرتبكًا أكثر مِمَّا كان غاضبًا.
اختلطت أفكاره واستحوذت عليه الحيرة وصار يقول لنفسه:. هل كان هذا جزءًا من مخطط؟ أم أنهم كانوا يحاولون حقًا سلب أموالي؟ ماذا علي أن أفعل الآن؟ هل أذهب وأخبر القاضي؟ هل سيصدقني القاضي لَو وثِق بهؤلاء الرجال؟ وماذا ستكون النتيجة؟ هل سيُعطيني زينة؟ ماذا عن الأولاد الآخرين إذًا؟ لا، عليّ الانتظار. عليّ الانتظار لأرى كيف سيتصرفون في الأيام القادمة.
ماذا لو كان هؤلاء الرجال صادقين؟ ماذا لو اضطررتُ لرشوتِهما للحصول على زينة؟ ِرشوتهما؟ أنا أَرشو؟ وخاصةً هذين الرجلين؟ هل يجب أن أرشوَهما للحصول على زينة؟ وماذا عن الحب الذي أشعل قلبي؟ هل يجب أن أحبها، وفوق ذلك، أرشو الناس من أجل الزواج منها؟ لَو طلب مِني والدُها مهرًا كبيرًا، لَما ترددتُ في بيع كل ما أملك لإرضائه. لكن الرشوة، لا! لا، لا، ستكون إهانة. أنا أحب زينة وأريد الزواج منها. لكن لو لا، لا، لا. لا أستطيع التفكير في هذا. أرجوك توقف عن هذا. انتظر! انتظر!...
جاء يوم الأربعاء والتقى الأولاد والبنات من القريتين مرة أخرى، بعد خمسة أسابيع من الانفصال، بسبب شهر رمضان. الآن كانوا هناك في الأسفل يغنون ويصرخون من الضحك ويصفقون بأيديهم ويغنون. لم يكن هناك قُبْلات ولا عِناق - أبدًا. ومع ذلك، كان بعض الآباء والشباب والفتيات الصغار، الذين لم يلتقوا بَعْدُ بمَعارِفَ من القرية المقابلة كلهم هناك، يجلسون على الأجزاء العليا من المنحدرات. كانوا هناك جالسين ويراقبون في صمت. ظل الطاهر أيضًا جالسًا تحت شجرة البطم، على بعد أمتار قليلة من الضفة الجنوبية. ومن هناك كان بإمكانه رؤية زينة والعشاق الأربعة الآخرين.
كانت زينة تبتسم للجميع. تنهد الطاهر مراراً وتكراراً. كانت زينة تستمع إلى الأولاد، الذين كانوا يتحدثون جميعاً في وقت واحد. كان الطاهر يراقب في صمت. فجأة، كان هناك سعال ثم ظِلٌّ. اسْتدار الطاهر مُندهشاً ووقف على قدميه. صاح بابتسامة جذابة:
- يا لها من مفاجأة، القاضي!
ابتسم القاضي أيضاً، وقال بصوت لطيف:
- تبدو حزيناً، يا بني! لماذا كل هذا الكآبة؟ خذ الأمر ببساطة! لا تقلق!
- ماذا! هل تقصد -
قال القاضي وهو يبتعد:
- قلتُ فقط لا تقلق!
تنهد الطاهر ثم قال:
- إلى أين أنت ذاهب يا قاضي؟
قال القاضي دون أن ينظر إلى الوراء:
- أنا ذاهب لحال سبيلي. ألا تأتي معي؟
- لا، سيدي، سأبقى هنا.
وبقي هناك جالساً تحت شجرة البطم يُراقب في صمت.
وفي المساء كان مع الأولاد في البَرَّاكة. لم يكن قد أحضر معه أوتاره الخاص، لكن أحدهم قدم له كوباً من الشاي وحثه على العزف على الأوتار الذي كان مُلْقاً على الحصيرة. وضع الطاهر كوب الشاي جانباً والتقط الأوتار وبدأ العزف عليه. وبينما كان يعزف كان يختلس النظرات من حين لآخر إلى منافسيه الأربعة، أولئك الذين تنافسوا معه على قلب زينة.
ومن المدهش أن كل هؤلاء كانوا ينظرون إليه بعيون لامعة. وبدأوا جميعاً في الغناء وصفقوا بأيديهم وهزوا أجسادهم، وشجعوا عازف الأوتار. لكن عازف الأوتار، بعد أن رأى مدى فرح منافسيه، بدأ يشعر الآن بنوبة من الألم. بدأ يفقد قبضته على الأوتار. وقبل أن تتجمع الدموع في عينيه، أسقط الآلة فجأة وغادر البَرَّاكة.
صرَخ وهو يرفع ذراعيه بانفعال: يا إلهي! فوقه سماء مُرصعة بالنجوم، وأمامه طريق مظلم مُتَعرج. سأله عابِر سبيلٍ لا يَراه: ما بك آ الطاهر؟ استجمع الطاهر قواه وقال:
- لا بأس بي!
قال الصوت، الذي اتضح أنه صوتُ جارٍلقريب للطاهر:
- لكنني سمعتك تقول: يا إلهي!
أقرَّ الطاهر بابتسامةٍ محرَجة :
- أجل، هذا صحيح! كما تعلم، كلنا نُجَنُّ أحيانًا!
- إلى أين كنت ذاهبًا؟
- كنت ذاهبًا إلى البَرَّاكة.
- حسنًا. أراك لاحقًا! تصبح على خير!
- وأنت أيضا!
كانت تلك الليلةُ طويلةً، طويلة، ومُريعةً. بقِيَ الطاهر يُفكّر بِأسى لماذا، لماذا لم أوافق على رشوتهم؟ كان كل هؤلاء الأولاد مبتهجين الليلة. لا بُد أن واحدًا منهم على الأقل فَعل ذلك. ربما قدَّموا جميعًا هدايا سخية. وربما ظنّ كلٌّ منهم أنه دفع الثمن الأكبر من أجل زينة. زينة، حبيبتي. لكن كيف تكون حبيبتَك وأنت كنتَ لئيمًا معها؟ بدلًا من التخلي عن مبدأ واحد لمرة واحدة، ما فعلته هو التخلص من حبك. فات الأوان الآن! ما فعلته لا يفعله إلا اللِّئام آ الطاهر! نعم، تنهدْ مرارًا وتكرارًا، وابْكِ! لن تُجدي تنهداتك ودموعك نفعًا الآن...
كان يومَ الجائزة. جلسَ الطاهر ومنافسوه الأربعة في نصف دائرة أمام القاضي تحت شجرة البطم. كانت كل العيون على شفتَي القاضي. تحدثَ القاضي مُطوّلاً عن الصداقة والأُخوة، وعن القدَر، وعن الزواج. ثم قال:
يؤسفني أن أقول إنه في هذه المرحلة، في هذه اللحظة، سيتِم استبعادُ أحدِكم. وسيَتعيَّن على الأربعة الآخرين إخضاعُهم لمزيدٍ من الاختبارات.
ثم أغمض القاضي عينيه وسكت. خفق قلبُ الطاهر. لكن لم يجرؤ أحد على التحدث إلى القاضي الآن. طال الصمت بشكلٍ لا يُطاق. ثم دَوَّت همسة. كان منافسو الطاهر ينظرون إلى يمينِهم. بِذهول، نظروا إلى قطيع من الإبل والبقر والأغنام والماعز يقوده أربعة رجال، اثنان منهم تعرف الطاهر عليهما بسهولة. كانا من يُطلقان على نفسَيهما اسمَي عيسى وموسى. عندما توقف الموكبُ على بُعدِ أقدام قليلة من مكان جلوس الشبابِ غير المدركين لِما يحدُث أمام أعينهم، نظر القاضي إلى الطاهر وقال:
الطاهر، أنت لم تُعطِنا شيئًا، إِذاً فَلن تحصل على شيء. يُمكنك الإنصراف!
ألقى الطاهر نظرةً حَيرةٍ على منافسيه السابقين وعلى الموكب، ثم ابتعد. قادَتْه قدماه إلى بَطن الوادي، الذي كان يتدفق فيه جدولٌ متذبذبٌ، كما يحدث أحيانًا في هذا الوقت من العام. مَشى بصعوبةٍ على حافة الجدول الحصوية. وتابَعَ حديثَه مع نفسه كالمجنون إذًا لن أتزوج زينة. زينة ستتزوج واحداً من العصابة... من الأشرار. (انفجر ضاحكًا.) إذاً زينة امرأةٌ طالِحة؟ كل هؤلاء رجالٌ طالِحون؟ إذًا كنتُ أنا الرجلَ الصالحَ الوحيد؟ إذا كانت زينة امرأةً طالِحة، فمن هي المرأة الصالحة وأين أجدها؟ (فجأةً، ثار الطاهر.) لا! يجب أن أعود وأقول للقاضي إنني رجل طالح مثلهم تمامًا، وأنني وحدي ولا أحد غيري أحب زينة، وأنني يجب أن أتزوج زينة، وإلا فسأقتل شخصًا ما أو أقتل نفسي...
في تلك اللحظة، نادى عليه صوت:
الطاهر! آ الطاهر! انتظر!
استدار الطاهر. بدأ نبضه يتسارع.
قال عيسى وهو يلهث
انتظر! "لقد أرسلني القاضي إليك. يريد التحدث إليك.
بقي الطاهر يَنظر بصمت بينما أشار عيسى إلى نخلة في الطرف الجنوبي من الوادي.
قال عيسى: سيكون القاضي علال هناك بعد قليل. اذهب وانتظره هناك!
كان كل من الطاهر والقاضي يَلهثان عندما جلسا تحت النخلة. كان القاضي هو من تحدث أولاً. قال:
- لقد اعتقدت أنك رجل طيب. كنتُ أعلمُ أنك معجبٌ بهذه الفتاة حقًا. لكن كان لدي شعور بأنك طيب، رغم ذلك. الآن، أنا مُحبَطٌ.
- ماذا تريد مني أكثر الآن بعد أن انتزعت حبي مني؟
- هل تتزوج امرأةً تحب شخصًا آخر؟
- ماذا تعني؟؟
- حسنًا، أُعجِبتْ زينة بمظهرك الجميل، لكنها أحبت رجلاً آخر، يُؤسِفني قولُ ذلك
- ماذا تعني؟
- كانت زينة تكره الرجال الخجولين
- هذا ليس جديدًا بالنسبة لي! أعلم أنني شخص خجول، لكن لماذا لا تريد أن تخبرني باسم حبيبها؟
- آ الطاهر، لم تكن رجلَها، ولم تكن هي امرأتَك.
لكنَّ قلبي امتلَأَ بها.
- لم تستحقَّك. هي لا تستحقُّك.
- من تَستحقني إذن؟ فقط أخبرني!
- كم عمرك، آ الطاهر؟
تنهد الطاهر وهدأ قليلاً، ثم تمتم:
- عمري واحد وعشرون عامًا. لماذا؟
- حسنًا، لقد سألتني سؤالاً، أليس كذلك؟ قلت: من تَستحقني؟ - وماذا في ذلك؟
التقت أعينهما. ابتسم القاضي. ارتجف الطاهر.
قال القاضي فجأة:
- آ الطاهر، هناك امرأة أعتقد أنها تستحق أن تكون زوجتَك.
- أين هي؟
- هناك! (أشار القاضي نحو القرية المقابلة)
- هل تسخَرُ مني؟
- لا
- فمن هي إذن؟
- لا أستطيع أن أخبرك من هي.
- قاضي، أنت تعلم أنني أُصِبت بصدمة كبيرة عندما استبعدتَني، والآن لا تزال تعذبني.
ضحك القاضي، ثم قال:
- اسمع آ الطاهر. أنا لا أسخر منك. هناك امرأة أعتقد أنها تستحق أن تكون زوجتك. إنها تعيش في تلك القرية. لا أستطيع أن أُخبِرك مَن هي. ولكن إذا كنت تعرف بعض الأغاني الدينية، فَغَنِّها وستظهر المرأة التي تستحق حُبَّك.
- ولكن من أين ستأتي هذه المرأة؟
- قلت فقط تعال إلى هنا واجلس وغَنِّ الأغاني الدينية وسيظهر حبك الحقيقي! هذه المرة أنا جاد!
- لكنني أعرف كل الفتيات، كل الشابات اللاتي يَعِشن في تلك القرية. رأيتهن جميعًا، ولم أفقد قلبي إلا لتلك التي انتزعتها مني بِحُكمك!
- هذا صحيح. أنت تعرفهن جميعًا ما عدا واحدة!
- هل أنت متأكد من أن هذه المرأة تعيش في تلك القرية؟
- نعم! غنِّ الأغاني الدينية وستظهر أمامك وستراها بأم عينيك.
- حسنًا! سنرى. أنا لا أعرف الأغاني الدينية الآن، ولكنني سأذهب وأتعلم بعضًا منها وسأعود لأغنيها.
قال القاضي وهو ينقر على كتف الطاهر:
- هذا جيد! ولكن إذا كنتَ تريد أن تسمعك حبيبتُك، تعال إلى هذه الشجرة وغنِّ. ولكن، أخبرني آ الطاهر، أين ستتعلم الأغاني الدينية؟
- لا أعرف حقًا. هل لديك أي فكرة؟
- نعم، اذهب إلى مراكش. يوجد رجل في جامع الفنا يُدعى سعيد الباهي. لديه مكتبة هناك.
وبعد أسبوع، كان سعيد الباهي يكشف للطاهر أسرار مراكش. بدأت رحلتهما في جامع الفنا، حيث تجوَّلا بين سحرة الثعابين، ومعلمي القردة، ورواة القصص، والموسيقيين، وأصحاب الألعاب البهلوانية. ومن هناك ذهبا إلى مسجد الكتبية.
قال الباهي فجأة: هل تصلي؟
- نعم، أحيانًا.
لكن الطاهر كان يعلم أنه جديد تمامًا على هذا العالم. لم يُصلِّ قط في مسجد.
انتهت الصلاة، وقال الباهي إنهما ما زالا لَم يَرَيا لمزيد من المدينة. نَزلا إلى شارع أغناو، وألقيا نظرة على باب أغناو، ثم اتجها جنوبًا إلى شارع القصبة، الذي أخذهما إلى حديقة أكدال. وهناك فقد الطاهر لسانه للحظة. فَبِلمحة واحدة، رأى أشجار الزيتون والتين والكمثرى والرمان والتفاح والكروم؛ وأشجارًا أخرى رآها لأول مرة في حياته. لم يسبق له أن رأى أشجار البرتقال أو الخوخ من قبل. والآن رآها وصاحَ:
- هذه هي الجنة، أليس كذلك؟
- لا يا بني. هذه حديقة جميلة. لكن الجنة مسألة أخرى تمامًا. الآن، تعال! دعنا ننتقل
إلى أين؟
- دعنا ننتقل إلى حديقة أخرى الآن، سنذهب لرؤية المنارة.
كانت تلك الحديقة الأخرى بعيدة جدًا. قال الباهي في الطريق:
- لكن أخبرني، ما الذي قادك إلى مراكش؟
- قال الطاهر مندهشًا:
- أعتقد أنني أخبرتك.
- أوه، نعم، أخبرتني. أنا آسف. قلتَ إنك تريد تَعلُّم بعض الأغاني الدينية. هل هذا صحيح؟
- نعم، هذا صحيح.
- هل أنت مغني؟
- لا، لست كذلك. لكنني أحب الغناء.
- أي نوع من الأغاني تغني؟
- حسنًا، كما تعلم، أنا أغني عن الحب ء هذا النوع من الأشياء.
- والآن تريد أن تغني أغاني دينية. لن أسألك لماذا، لكن أخبرني: هل تعرف شيئًا من القرآن؟
قليل جدًا، لأكون صادقًا.
- هل يمكنك تلاوة ما تعرفه عن القرآن؟
- لا، ليس حقًا.
- إذن، أنا آسف لن أستطيع تعليمك أي أغاني أو كلمات دينية ما لم تحفظ عن ظهر قلب بعض سور القرآن.
- تَمنيت لو أستطيع! ولكنني لا أستطيع القراءة والكتابة، كما تعلم.
- هذه ليست مشكلة. سأعلمك القراءة والكتابة. وسأعلمك السور والأغاني، أليس كذلك؟
- شكرا لك! لهذا السبب أتيت إليك. ولكنني هنا لمدة أسبوعين فقط، لا أكثر.
- على الرحب والسعة. انظر، نحن الآن نتجه مباشرة إلى المنارة. أعتقد أنك ستحبها.
عندما ذهب إلى فراشه في تلك الليلة، لم يفكر الطاهر في حديقة أكدال أو المنارة أو مسجد الكتبية، بل في الفتيات الصغيرات اللاتي ابتلعْنَه بأعينهن من وراء حجابهن.
الآن عاد إلى قريته. أخبر أسرته أنه تعلم كتابة اسمه وقراءة سور القرآن. وكأي تلميذ في المدرسة، تلا كل السور التي حفظها عن ظهر قلب. وقدمت له والدته طاجين لا يُنسى.
ثم ذهب إلى المسجد. أدى صلاته وتجاذب أطراف الحديث مع الإمام. ثم عاد إلى منزله، وأحضر أوتاره واتجه إلى شجرة البطم على ضفة النهر.
جلس مواجهًا النهر. وضبط أوتاره وسرعان ما بدأت الموسيقى.
انتقل الطاهر من لحنٍ إلى لحن، يرفع صوته تارة ويخفضه تارة أخرى. بدا وكأنه يغني لروح، على أمل أن تظهر له وتحقق حلمه الأعز. لكن ما رآه الآن جعل على عينيه غِشاوة. كان الأمر لا يصدق. بدا أن الفتاة التي أخبره القاضي عنها قد خرجت إلى الفَلاة. بدا أنها سمعت بعض الموسيقى الروحية النابضة بالحياة تأتي من بعيد. بدا أنها سمعت أغاني الطاهر المثيرة -الأغاني التي تمجد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). كانت جالسة هناك الآن، على جذع شجرة ملقاة عبر الممر. لم يستطع الطاهر أن يرى وجهها، لأنها كانت محجبة. لكنه رأى شكلها ومشيتها الرشيقة قبل أن تجلس. شَعَر وكأنه برغبة جامحة في ن يناديها أنت الجالسة هناك، تعالي وقفي بجانبي! لكن كل ما كان بإمكانه فعله هو غناء المزيد من الأغاني ورفع صوته بما يكفي لتشعر هي بنبضات قلبه.
لكنها وقفت الآن وبدأت في المغادرة. فوجئ الطاهر. ألقى بالأوتار ونهض بصعوبة. كان المؤذن ينادي لصلاة المغرب. وكانت الطيور تعود إلى أعشاشها. واختفت الفتاة خلف مجموعة من المنازل. ثم اقترب منه ثلاثة شبان، وقال أحدهم:
- الطاهر، ما الأمر؟
لم يَرُد الطاهر، فقال صوت آخر:
-هل هذه قصة حب أخرى؟
يمكنك أن تقول ذلك، قال الثالث. رأيته يحدق في الشابة
ذات الرداء الأبيض التي كانت تجلس هناك
هل هذا صحيح، الطاهر؟
لا أعرف، قال الطاهر وهو ينظر إلى أسفل. أنا آسف، يجب أن
أذهب
لا، ليس قبل أن تغني لنا شيئًا! قال أحد الثلاثة
في وقت آخر! قال الطاهر، وهو يلتقط أوتاره. يجب أن أذهب
إلى المسجد
ماذا
لم ينتظر الطاهر ليشرح نفسه. سارع نحو المسجد. علق
أوتاره على شجرة في الطريق، وانضم إلى المصلين القلائل
حل الليل، ولكن بالنسبة للطاهر، كان مجرد استمرار لليوم.
كان الفارق الوحيد أنه الآن في السرير في غرفة مظلمة. الآن مرة أخرى سوف يقضي ليلة
بلا نوم. لم يستطع النوم لأنه لم يستطع التوقف عن التفكير. لقد حدث له هذا من قبل.
الشيء الجديد -والذي يصعب استيعابه- هو أنه فكر الآن في امرأة بلا ملامح
في اليوم التالي، قام الطاهر بعمل يوم كامل في بضع ساعات
فقط حتى يتمكن من الذهاب في منتصف بعد الظهر إلى شجرة النخيل وغناء أغانيه الجديدة
لإخراج حبيبته الجديدة من منزلها. ذهب إلى هناك وغنى بروحانية لكن حبيبته لم تسمعه
هذه المرة. عاد في نفس الوقت في اليوم التالي واليوم الذي يليه وغنى أفضل أغانيه
الجديدة، لكن المرأة التي كان يلاحقها لم تظهر مرة أخرى
فهل كان القاضي يخدعني بالوعود حين تحدث معي عن شبح تلك
المرأة؟ فكر الطاهر في نهاية ذلك اليوم بحزن. لقد غادر القاضي نفسه أرضنا بكل
بساطة! ولكن حين يعود، سأوضح له أنني لا أريد شبح تلك المرأة بعد الآن
وعندما علم الطاهر أن القاضي موجود في مكان ما، ترك كل
شيء خلفه وركض إليه
قال القاضي: أوه الطاهر، كيف حالك؟
قال الطاهر بنظرة شريرة في عينيه: أنت تهتم كثيرًا
قال الطاهر: أوه الطاهر، هل هذه هي الطريقة الصحيحة
للتحدث إلى القاضي؟ في المرة الأخيرة لم أقل شيئًا، ولكن حاول أن تكون أكثر
تهذيبًا. إذن، ما المشكلة؟
قال الطاهر بصوت مكسور: المشكلة أنك خدعتني بوعود غامضة
قال القاضي وهو يفرك عنقه: أنت تحبها إذن! لقد توقعت
ذلك، وربما تكون قريبًا كل شيء بالنسبة لك
لا أريدها أن تكون كل شيء بالنسبة لي
لماذا لا؟
لأنني لا أعرفها. لا يمكنني أن أحب شبحًا
ماذا تريد الآن إذن؟
أريد أن أراها وألتقي بها كل أسبوع كما اعتدت أن أفعل مع
زينة
لا أعتقد أن هذا ممكن، قال القاضي وهو يهز رأسه. هذه
الشابة ليست مثل زينة، ولا مثل أي شخص رأيته من قبل. ولكن إذا كان لديك ما تقوله
لها، فسأكون سعيدًا بأن أكون حمامة زاجلة لك. هذا كل ما يمكنني فعله من أجلك
هدأ الطاهر فجأة
نعم، قاضي، قال بخجل. لدي شيء أقوله لها. إذا كنت، قاضي،
تعتقد أنها تستحق حبي، فأنا أريد الزواج منها
حسنًا، قال القاضي بابتسامة مرحة. سأخبرها وأحضر لك
الخبر في أقرب وقت ممكن
شكرًا لك يا قاضي! قال الطاهر وهو ينحني إلى الأمام
لتقبيل يد القاضي
وبعد ساعات، بدا أن الطاهر قد عاد من البرد. وظهرت
حبيبته مرة أخرى. جلست في مكانها المعتاد واستمعت بصبر بينما كان الطاهر
يغني لها بكل قلبه
عند غروب الشمس عادت الشابة إلى منزلها وذهب
الطاهر إلى المسجد. وظل اللغز كاملاً. ولفك اللغز،
ركب الطاهر جواده بعد يومين وركب إلى القاضي. ووجده
في مقهى في سوق قريب
قال بخجل: يا قاضي، أنا قلق بشأن شيء ما. لم أنم ولو
للحظة واحدة الليلة الماضية
قال القاضي وهو يسكب الشاي في أكواب خضراء مرتبة بشكل
جميل على صينية فضية: ما المشكلة؟
قال القاضي: يا قاضي، قبل أن تخبرني ما إذا كانت قد
وافقت أم لا، أود أن أعرف شيئين
أولاً؟
حسنًا، أريد أن أعرف اسمها
وثانٍ؟
أريد أيضًا أن أعرف ما إذا كانت جميلة، لأنه، كما تعلم،
سيكون من الصعب عليّ أن أتزوج امرأة ذات وجه عادي
تنهد القاضي. خفق قلب الطاهر
قال القاضي فجأة: الطاهر، لقد أزلت عني عبئًا بوصولك إلي
الآن، لأنني لم أستطع القدوم إليك. أنا آسف، لكن لدي أخبار محبطة لك
ماذا تعني؟
تنهد القاضي مرة أخرى، وقال
لن تتزوجك المرأة إلا إذا أوفيت ببعض المطالب
بالطبع لن يعطيها لي والدها مجانًا، لكن أجب عن أسئلتي أولاً.
أخبرني باسمها
لا أستطيع أن أخبرك باسمها
هل هي جميلة؟
لا أستطيع أن أخبرك بذلك أيضًا
لما لا؟
حسنًا، أشك في قدرتك على تلبية مطالبها. في الواقع، كنت
سأطلب منك أن تنسى كل شيء عنها
الآن ظهرت نظرة وحشية في عيني الطاهر. ابتلع ريقه بصعوبة
لقد خذلتني في المرة السابقة، تمتم، والآن مرة أخرى-
قاطعه القاضي
هل يمكنك تلبية شروطها؟ قال بتحد
استفاق الطاهر، ثم قال بصوت خفيض
ماذا تريد على وجه الأرض؟
حسنًا، قالت لك: اصنع لي ثوبين: دفينا وتحتية. اصنعهما
بيديك وأرسلهما إليّ. سأجربهما، وإذا كانا مناسبين لي بشكل جميل، فسأطلب منك أن
تصنع لي سبعة أثواب أخرى، حتى يكون لدي ثوب أرتديه كل يوم من أيام الأسبوع. إذا
فعلت ذلك، فسيكون ذلك مهري، وسأتزوجك حينها
كان لكلمات القاضي تأثير تعويذة على الطاهر. لمعت عيناه الآن. وبعد أن لاحظ
القاضي ذلك، استمر في إبعاد هموم الطاهر، دعني أخبرك بشيء، الطاهر.
أنت تعلم، مع كل ما تملكه من متاع ومنقولات، لن تتزوج هذه المرأة أبدًا ما لم تؤمن
بأنك الرجل المناسب لها
للحظة، كان الطاهر في حالة من الحيرة. ثم عاد وقال
لماذا لا أشتري لها ما تشاء من الفساتين الجيدة؟ يمكنني
أن أطلب لها أفضل الفساتين من أفضل الخياطين في البلاد! أنا لست خياطًا، كما تعلم.
سيستغرق الأمر مني سنوات وسنوات لأصبح خياطة. هل ستكون راغبة وقادرة على الانتظار
حتى أتعلم كل شيء عن الخياطة وصناعة الملابس؟
سأطرح هذا السؤال عليها وأحضر لك إجابتها، قال القاضي،
ورفع كوبًا آخر من الشاي إلى فمه
رأى الطاهر حبيبته مرتين بعد ذلك اللقاء مع القاضي، فقد
أتت إلى مكانها المعتاد على ضفة النهر واستمعت بصبر إلى غنائه. لكن كل ما استطاع
الطاهر رؤيته منها هو قطعة قماش بيضاء ملفوفة حول جسد بشري. كانت لا تزال امرأة
بلا ملامح
هل كان القاضي ليختارها لو لم يكن وجهها لطيفًا؟ سأل
الطاهر نفسه مرة أخرى عندما كان يتناول العشاء مع عائلته في المنزل تلك الليلة.
ولكن أياً كان شكل وجهها، هل تفكر بي؟ هل تفكر بي بقدر ما أفكر بها الآن؟ لقد
رأيتها بالأمس واليوم. هل يعني هذا أنها تهتم؟
قال القاضي عند عودته إلى القرية بعد يومين: الطاهر، لقد
وجهت أسئلتك إلى حبيبتك
قال الطاهر وهو يجلس أمام القاضي في ظل شجرة البطم: حقا؟
حسنًا، قالت لك: اصنعي الفساتين الأولى كما أخبرتك. إذا
لم تتمكني من صنع دفينا وتحتيا في هذه المرحلة، فاصنعي لي فستانين من اختيارك،
ولكن يجب أن يكونا فستانين رائعين. سأنتظرك حتى تنتهي منهما. أعطيك هذا العهد.
القاضي، وهو شخص خاص جدًا بالنسبة لي، يشهد على ذلك. أما اسمي، فأنا أدعى الزاهية.
أنا في الثامنة عشرة من عمري فقط. لذا يمكنني الانتظار حتى تصنعي كل الفساتين. لكن
لا تحاولي البحث عني قبل ذلك. إذا حاولتِ البحث عني قبل أن أرسل في طلبكِ، فتأكدي
من أنك لن تريني مرة أخرى. هذا ما قالته
انحنى الطاهر برأسه، مستغرقا في التفكير
كيف يبدو لك ذلك؟ قال القاضي فجأة
بصراحة، قالالطاهر، رافعًا عينيه، أنا مفتون. أنا مسحور
ماذا ستفعل؟
لا أعلم حقًا
الطاهر، ليس أمامك خيار سوى أن تصنع فساتين لحبيبتك. كما
ترى، لقد حاولت بالفعل مساعدتك بإعطائك عهدًا. وقالت إذا لم تتمكن من صنع دفينا
وتحتية، فما عليك سوى صنع فساتين جيدة من اختيارك. ماذا تتوقع منها أكثر من ذلك؟
ماذا لو جاء شخص آخر في غيابي وطلب يدها من والدها، هل
ستقاوم؟
انظر هنا، لا تقلق بشأن ذلك! طالما أنا على قيد الحياة
لن يتزوجها أحد غيرك إذا بقيت مخلصًا لها وصنعت كل الفساتين التي طلبت
سأصنعها! قال الطاهر، وهو ينهض على قدميه. "لذا
ساعدني الله! ادع لي يا قاضي
صلى القاضي من أجله، وسارا كلاهما ببطء على طول ضفة
النهر، من شجرة البطم إلى شجرة النخيل
النسخة الإنجليزية
النسخة الفرنسية
Né à Mohammédia au Maroc en 1966, Mohamed Ali Lagouader est titulaire d'une licence en anglais en 1990 et d'un diplôme de traducteur en 1994. Il a travaillé ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire