النسخة الإنجليزية
YETTO
النسخة الفرنسية
الفصل الثاني
انحنى محماد برأسه وتنهد، ثم نهض على قدميه وانتقل إلى حيث كان بغله لا
يزال مربوطًا بالشجرة. حل رباطه وركبه بخجل واتجه نحو الوادي. فناداه أبوه بصوت
عالٍ
إلى أين أنت ذاهب؟
لكن
محماد لم يجب، و تابع طريقه محاولًا قدر استطاعته حبس دموعه. مر بالمسجد وأومأ
برأسه للإمام الذي كان جالسًا بمفرده عند الباب. ولم يتوقف حتى وصل إلى القصب، ثم
ترجّل وترك بغله يرعى في العشب الأصفر القليل الذي نبت على طول حافة القصب. سار
مسافة قصيرة تاركا القصب إلى يساره. كان يفكر و هو يمشي. ثم توقف فجأة واستدار نحو
البغل. للحظة، استقر بصره على المسجد، ثم نظر إلى أسفل ومشى ببطء عائداً نحو
البغل. وهناك جلس وظهره إلى القصب ومرر بصره على المناظر الطبيعية المتدحرجة
أمامه. و قال في نفسه: لن أجد مكانًا أفضل من هذا في الوقت الحالي. يجب أن أبني لي
بيتًا صغيرًا هنا. ولكن أين بالضبط؟ وقف وبدأ يمشي ذهابًا وإيابًا، متجاوزًا البغل
في كل مرة. ثم توقف ونظر صوب الجهة التي فيها منزل يطو، والذي بالكاد يستطيع
رؤيته من هذا المكان. وظل واقفا هناك حتى شعر بالتعب. ثم تقدم نحو البغل وسحبه
برفق نحو نخلة، وربطه إليها. ثم ابتعد قليلاً عن الشجرة واستلقى على ظهره في بقعة
رملية. ولكن ما لبث أن قام، إذ إن حرارة الشمس أصبحت مؤلمة للغاية بحيث لا يتحملها
وجهه. فأسرع بحل بغله وجره نحو المسجد. عندما اقترب من الجانب الشمالي من المسجد،
نهض الإمام وقابلهه. ثم قال
تبدو
متوترًا بعض الشي. ما بك؟
أردت
فقط الجلوس معك قليلاً
مرحبًا
بك! اربط البغل بتلك الشجرة وتعالى لتجلس بجانبي
وجلسا
جنبًا إلى جنب وظهرهما إلى الحائط. ثم بدأ محماد الكلام
الجو حار، أليس كذلك؟
بلى،
إنه كذلك
قل لي يا شيخ، عندما عدت
لاحظت أن العديد من الأطفال قد ولدوا أثناء غيابي. أتساءل عما إذا كان أي شخص من
القرية قد توفي منذ أن غادرت قبل أربعة عشر أو خمسة عشر عامًا؟
تنهد الإمام و قال
نعم،
حفنة منهم
تنهد محماد بدوره و قال
من؟
فذكر
له الإمام أسماء من توفوا حسب الترتيب الزمني، وحبس محماد أنفاسه حتى ذكر الاسم
الأخير. وتنفس الصعداء إذ لم يكن الاسم الذي خاف سماعه من بين الأسماء التي ذكرها
الإمام. فتردد قليلا ثم قال
لأكون
صادقًا معك، كت أريد أن أسألك عن دامي
دامي؟
لماذا؟
سأخبرك.
أنا أعلم أنها كانت في مثل سنك الآن عندما غادرت. لذا فلا غرو أنها كبرت اليوم.
وأعلم أنها كانت أرملة بلا أطفال، وكانت امرأة صالحة، وكانت تمتلك قطعا أرضية
وأنعاما أيضًا. كنت سأسألك عنها لأنني بصراحة أود أن يكون لدي منزل صغير خاص بي؛
ولكن كما ترى، أنا أفتقر إلى المال، وأحتاج إلى بقعة صغيرة لبناء كوخ صغير عليها.
كنت هناك عند حافة القصب، وفكرت في بناء كوخ بقطع من هذا القصب. لكن المشكلة هي
أنني بحاجة إلى مكان. لهذا السبب فكرت في دامي
أستطيع
الآن أن أفهم سبب تفكيرك في دامي. أنت محق في قولك إنها امرأة صالحة ويمكنها
مساعدتك. ولكن لماذا لا تبقى مع عائلتك؟ فمنزل والدك من أكبر المنازل في القرية!
أعلم.
أعلم. لكنني لا أشعر بالراحة في العيش تحت سقفهم. أفضل أن يكون لي كوخ خاص بي
بالقرب من الوادي. لذا، أرجوك، إن أمكنك، أن تأتي معي إلى منزل دامي لترى ما إذا
كانت تستطيع أن تمنحني مكانًا أبني عليه كوخي و لأقيم فيه و لو لمدة أشهر قليلة،
وفي المقابل، سأكون في خدمتها. سأساعدها بقدر ما أستطيع في أعمال الحرث وما إلى
ذلك. فهل يمكنك أن تأتي معي، يا شيخ؟
بكل
فرح و سرور
وتركا
البغل بجوار المسجد وسارا ببطء إلى منزل دامي. كانت دامي تسكن بجوار يطو. لم يكن
يفصل بين المنزلين إلا حقل. لكن لم يظهر ي أثر ليطو لما وقف محماد والإمام عند باب
دامي
الإمام
هو الذي طرق الباب. فخرجت دامي، وهي امرأة طويلة القامة في أواخر الستينيات من
عمرها، و ما أن رأتهما حتي قالت مرحبة
أنتم!
ادخلوا
أجاب الإمام، دون أن
يتحرك من مكانه
بارك
الله فيك! نحن لن نزعجك كثيرًا. لقد جئناك فقط لأن هذا الرجل، محماد بن احماد
أمكون، له مشكلة ويحتاج إلى مساعدتك
حسنًا!
لكن ادخلوا
دخلت
هي ثم تبعها محماد والإمام عبر الفناء الصغير إلى غرفة كبيرة ذات سقف من القش.
فقالت وهي تجالس على السجادة الزرقاء
والآن،
ما هي المشكلة؟
قال
الإمام
المشكلة
باختصار هي أن محمادًا يريد بناء كوخ صغير من القصب بالقرب من الوادي، لكنه لا
يستطيع تحمل تكلفة قطعة أرض لبناء الكوخ عليها
قالت دامي، وهي تنظر إلى
محماد
لماذا
تريد أن يكون لك كوخ بجانب الوادي؟ أ تريد أن تعيش مع الجن؟
قال محماد مبتسمًا
كلا،
يا أماه! أنا لست أقل خوفًا من الجن منك. أود فقط أن أكون وحدي لبعض الوقت. لن يمر
على عودتي إلا أيام قليلة، و مع ذلك وجدت صعوبة كبيرة في التعايش مع أهل
القرية. أنا بحاجة إلى شيء من العزلة لبعض الوقت
حسنًا.
لا تقلق، يا بني! سأعطيك قطعة أرض قريبة جدًا من القصب وليست بعيدة عن المسجد.
ولكن من سيبني لك بيتك؟
سأحاول
القيام بذلك بنفسي، أو ربما بمساعدة الإمام.
حسنًا.
هذه فكرة جيدة. إذا ساعدك الإمام فله عندي أجرة. هل هناك أي مشكلة أخرى؟
كلا،
هذا كل ما في الأمر
قالها الإمام الذي بدا
مسروراً بعرض دامي. و محماد أيضا ظهرت عليه علامات البهجة. و قال
نعم
يا أماه! هذه هي المشكلة الوحيدة. ولن أنسى فضلك علي أبداً
ابتسمت
دامي له وقالت
اذهبا
الآن وعودا في وقت الغداء. أنت والإمام ستتناولان الغداء معنا. أنت تعلم أنني لم
ألد، و لكن لي طفل تبنيته، وهو الآن في المرعي، سيتناول الغداء معكم
شكرها
محماد والإمام بصوت واحد و خرجا
عند
الظهر، أذن الإمام، ألذي كان أيضاً مؤذناً، للصلاة. لكن لم يأت إلى المسجد أحد.
علق و هو يلوح لمحماد للانضمام إليه في الصلاة: إنهم لا يأتون إلا لصلاة المغرب،
عندما ينتهون من كل أعمالهم
ومباشرة
بعد الصلاة، حل محماد بغلته وساقها بينما سار الإمام بجانبه باتجاه منزل دامي
سأل
الإمام وهم ينطلقان
أين
السرج؟
لقد
تركته في منزل أبي
ولماذا
أتيت بالبغل؟ نحن ذاهبان فقط عند دامي ؟
من هناك سأذهب إلى توشكي.
حيث ينتظرني رجل
دامي أيضًا رأت البغل
وسألته
لماذا أحضرت البغل؟
أنا
بحاجة إليه، لأنني سأذهب إلى توشكي بعد الغداء
وماذا
ستفعل في توشكي؟
لقد
استأجرني رجل من توشكي لتعليمه كيفية إجراء الحسابات
حقًا؟
هل يمكنك تعليم ابني أيضا؟
بالطبع،
أستطيع
يسعدني
سماع ذلك! دع بغلك يرعى هناك وادخل. أنت أيضًا يا شيخ! تفضلا! مرحبًا بكما
وبينما
بدأ محماد و الإمام و ابن دامي يتناولون غذاءهم، نجلت دامي عليهم فجأة من
غرفة جانبية واقتربت منهم وهي تبتسم. جلست بالقرب من محماد وقالت وهي تمد يدها
لتلتقط زيتونة من الطبق
أتيت
فقط لأرى ماذا ستعلم ابني. ألا تفضلت و علمته شيئًا الآن حتى أرى إن كان
سيتعلم؟
أمرك،
يا أماه
قالها
محماد بلطف. ثم نظر إلى الصبي وقال له
كم عمرك يا عيسى؟
قال عيسى باستحياء
اثنتا
عشرة سنة
من
قال لك ذلك؟
أخبرتني
أمي
متى
ولدت؟
لا
أعرف
قالت
دامي وهي تنظر برفق إلى الصبي
قل:
لقد ولدت قبل اثني عشر عامًا
فردد عيسى بعد والدته
ولدت
قبل اثني عشر عامًا
والآن،
قل لي يا عيسى، افترض أن لديك بقرة تلد عجلًا جديدًا كل عامين، فكم عجلًا ستلده لك
في ظرف اثني عشر عامًا؟
توقف
عيسى عن الأكل وبدأ يعد في داخله، مستخدمًا أصابعه. ثم قال أخيرًا
خمسة.
لا ء بل ستة
أحسنت
! أحسنت
ظهرت
علآمات البهجة على وجه محماد، ودامي أيضا ابتسمت مبتهجة، ثم قالت
أعتقد
أنه يستطيع التعلم. سأعطيه درهمًا واحدًا في اليوم طالما أنه يتعلم جيدًا. لكن
أخبرني، يا محماد، لقد قلت إنك لديك ذلك الرجل في توشكي لتعليمه، متى ستعلم ابني
إذن؟
أنا
حر طوال الصباح، يا يا امتاه؛ سألتقي بعيسى كل صباح عندما يخرج مع القطيع إلى
المرعى. أو ربما يمكننا أن نلتقي في المسجد؟
أعتقد
أنه من الأفضل أن نلتقي به في المرعى. أرجوك أن تعمل ما في وسعك كي يتعلم جيدًا
هذا
واجب، يا أماه! سأبذل قصارى جهدي
بعد الغداء، أخذ محماد
بغله وانطلق إلى توشكي. في هذه المرة سلك الطريق الذي لا يبعد سوى بضعة أمتار عن
منزل يطو. ألقى نظرة خاطفة من خلال النافذة الأولى، ثم الثانية، لكن لم يكن
هناك شيء يرجو رؤيته. لا يطو ولا أي شخص من عائلتها. كل ما كان بإمكانه
رؤيته هو مسكنها الأبيض، بأشجاره الطويلة ودجاجه و طيوره وكلبه النائم في صمت
تابع
طريقه تحت شمس حارقة. وبينما كان يقترب من توشكي، بدأت ريح خفيفة تهب من الغرب،
ومن هناك أيضًا، بدأت السحب الخفيفة تظهر في السماء
وكم
كان محماد سعيدًا بتناول العشاء مع زبونه في توشكي، إلا أنه اعتذر بأدب لما لدعاه
الرجل للمبيت عنده . لذا، أخذ بغله وركب عائدًا إلى أزلو. كان يعلم أنه ليس لديه منزل
يبيت فيه في أزلو. لكنه لم يستطع قضاء الليل في أي مكان آخر غير أزلو
ومرة
أخرى، مر من طريق يمكنه من رؤية منزل يطو، رٱه مظلمًا، والهلال المضيء في
السماء حري بأن يخفف عنه ما يحس به. وبغله أيضا يؤنسه، ولم ينزل عنه إلى أن وصل
إلى حافة القصب. وهناك ربط البغل إلى نخلة وبحث عن مكان يستلقي فيه للنوم
وعند
الفجر، كان محماد في المسجد. الإمام أيضًا كان هناك. ولم ينضم إليهما أحد في
صلاة الفجر. لم يكن أحد يتحرك بعد عندما سار محماد والإمام إلى حافة القصب. الإمام
هو الذي حمل في سلة القصب السكاكين والمناشير وعلبة من جلد فيها حليب. وبينما هما
يمران أمام قطعة الأرض التي وهبتها دامي لمحماد، والتي تقع بين القصب ومقبرة
القرية، قال الإمام
لا
أظن أن هذا المكان يناسبك
أتفق
معك
هاهي
الشمس تطلع شيئا فشيئا و يظهر عيسى، من خلال القصب المتمايل، وهو يحمل سلة قصب
صغيرة في إحدى يديه. لما رٱه محماد رمى بالقصب الذي كان يقطعه وتقدم ببطء نحوه،
فحياه الصبي وسلّمه السلة، قائلاً
لقد
أرسلت لك والدتي هذا العنب لتناول الإفطار، وهي تدعوك والإمام لتناول الغداء اليوم
أرسلت
لكما والدتي هذا العنب لأجل الإفطار، وهي تدعوكما لتناول الغداء عندنا اليوم
شكرًا!
ولكن أين تركت القطيع؟
والدتي
تعتني بها؛ سأعود الآن
حسنًا!
شكرًا جزيلاً. أخبر والدتك أننا قادمان لتناول الغداء، إن شاء الله
في
وقت الغداء، أدى محماد والإمام صلاة الظهر في المسجد ثم ذهبا لتناول الغداء في
منزل دامي. بعد الغداء، عاد الإمام إلى الوادي لمواصلة العمل في القصب، بينما
انطلق محماد إلى توشكي، متخذًا طريقا يمكنه من خلاله إلقاء نظرة على
منزل يطو. ومرة أخرى، عندما اقترب من توشكي، بدأت ريح خفيفة تهب من الغرب
وبدأت السحب الخفيفة تظهر عبر السماء
في
اليوم التالي، لم تنتظر الريح الخفيفة والغيوم حتى بعد الظهر. فقد استمرت طوال
الصباح بينما كان محماد والإمام مشغولين ببناء الكوخ
ولكن
عندما كان محماد والإمام متجهين إلى منزل دامي لتناول الغداء، كانت السماء صافية
واختفت الريح الخفيفة وصار الجو أكثر حرارة
وبينما
كانا يأكلان، جاءت دامي إليهما وقالت، وهي تنظر بلطف إلى محماد
هاتان
بطانيتان لك يا محماد. إنهما قديمتان بعض الشيء، لكنهما ستفيان بالغرض، آمل ذلك
شكرًا لك يا أماه
في
طريق العودة من توشكي، كانت الريح قوية ء قوية لدرجة أن البغل بالكاد كان يستطيع
التحرك. وكانت السماء مظلمة، بلا هلال ولا نجمة. ومع ذلك، عندما كان يدخل أزلو، لم
يستطع محماد إلا أن يسلك أقرب طريق إلى منزل يطو. ألقى نظرة على مسكنها ثم
انصرف نحو كوخه
ولم
تهدأ الرياح القوية حول الكوخ طوال الليل حتى عسر على محماد النوم
وفي
الصباح، كانت هناك مشكلة أخرى، هذه المرة مع الشمس. ففي طريقه إلى المرعى حيث كان
من المقرر أن يلتقي بعيسى، رأى محماد ثلاثة أشخاص بالغين وخمسة صغارا، كانوا
جميعًا يرمشون ويتصببون عرقًا. وكان هو نفسه يتصبب عرقًا عندما جلس بجانب عيسى على
بقعة رملية تحت شجرة أركان. كان محماد هناك ليعطي درسه الأول لعيسى، وأيضًا ليحصل
على فرصة لإلقاء نظرة عن كثب على منزل يطو
ورغم
الحر الخانق، بقي هناك حتى وقت الغداء، ولكن لم ير ليطو أثرا. رأى والدها، رأى
أمها، رأى أخاها، ولكن لم يرها هي
وحتى
عندما أخذ بغله وانطلق إلى توشكي ومر بمنزلها، لم يرها
وفي ظريق عودته من توشكي
في وقت متأخر من الليل، صاح محماد غاضبا
هذا "يكفي! أكاد
أجن! لقد تركت هذه الأرض لأتعلم المزيد عن العالم، وعن الحياة وعن الله. وها أنذا
أبدو الآن وكأنني لا أعرف شيئًا على الإطلاق
أخذه
النوم بعيدًا لبضع ساعات، ثم تحرك في فراشه وجلس. وبدأ يفكر. فكر وتنهد ثم
فكر وتنهد حتى انفجر فجأة
هل
أنا أحب الله أم أحب يطو؟ أريد فقط أن أعرف
وجده
الصباح جالسًا مرة أخرى مع عيسى في مرعى ليس بعيدًا عن منزل يطو. كان يتحدث
و عيسى يستمع إليه بإمعان. وفجأة قال عيسى
ما
بالك تجلس دائمًا هكذا، مواجهًا ذلك المنزل، وفي كل مرة تنظر إلى هناك تتنهد؟
لماذا؟
أنا
أحب الجلوس بهذه الطريقة
قالها
محماد وقد احمر وجهه خجلا
نظر
إليه عيسى نظرة غير المصدق لكنه ظل صامتًا. ألقى محماد نظرة طويلة إلى الصبي، ثم
قال بنبرة مترددة
قل
لي، ياعيسى: ما الذي يميز ذلك المنزل؟
فيه تعيش امرأة شابة
وما
الذي يميز هذه المرأة الشابة؟
يقولون
إنها فائقة الحسن و الجمال
وكيف
عرفت ذلك؟
سمعت
بعض الأولاد يتحدثون عنها
هل
رأيتها بنفسك من قبل؟
لا
لكنها
جارتك؟
إنها
تظهر للنساء فقط
حسنًا!
الآن بعد أن أخبرتني بكل هذا، يا عيسى، أعتقد أنه كان ينبغي علي أن أجلس هكذا
ثم
أدار ظهره لمنزل يطو، مما جعل الصبي ينفجر ضحكا
ساعات
بعد ذلك، نظر كل من الإمام ومحماد بفضول إلى الرجل الشاب الذي انضم إليهما في
الصلاة. عرف الرجل منهما ذاك فبادر بشرح ما جرى و قال بلهجة تاشلحيت
أنا
من سوس
قال الإمام
أهلا
و سهلا
بارك
الله فيكم، سيدي
ما
الذي أتى بك إلى هذه الأرض؟
نظر
الرجل السوسي إلى محماد و أجاب مبتسما
إنها
قصة مضحكة
إذن
لنخرج من هنا واحك لنا قصتك
جلس
الثلاثة في شكل مثلث على الجانب الشمالي من المسجد. ثم بدأ السوسي قصته
صباحً أمس، كنت أنتظر
دوري عند الحلاق في السوق عندما أتيت (وأشار إلى محماد) وجلست أمامي. لا أعتقد أنك
تتذكرني لأنك لم تنظر إلي في المقام الأول. وهذا هو أول شيء لفت انتباهي فيك. ثم
لاحظت أن كل من كان في المحل كان لديه شيء أو آخر ليقوله. أنت وأنا فقط لم نتكلم.
أنا لم أتكلم لأنني لا أتقن لهجةكم وإن كانت قريبة من لهجتنا. لكنني دهشت من
الطريقة التي كنت تجلس بها هناك، صامتًا بلا حراك كجثة، جالسًا بعينين منخفضتين،
منتظرًا دورك بصبر. لاحظت أيضًا أنك كنت ترتدي قميصا أزرق سماويًا، بينما كان جميع
الآخرين، بمن فيهم أنا، يرتدون الجلباب. وبينما كنت أنتظر، خطر ببالي أن أتنازل عن
دوري لك. وهذا ما فعلته، ولكن حتى في تلك اللحظة لم تنظر إلي. قلت فقط شكرًا وأنت
تنهض من مقعدك. في البداية لم أعرف لماذا فعلتُ ذلك، ولكن بعد ذلك كانت دهشتي
عظيمة عندما سمعتك تقول للحلاق: شاربي فقط. في تلك اللحظة، قررت مغادرة المحل
والاختباء في مكان قريب لأرى إلى أين ستذهب وماذا ستفعل بعد ذلك. لقد قفز قلبي
عندما رأيتك تغادر محل الحلاقة. ثم تبعتك. ذهبتَ لشراء هذا الجلباب الذي ترتديه
الآن
قال محماد والإبتسامة لم
تفارق شفته
ومذا
بعد ذلك؟
بعد
ذلك تبعتك عندما غادرت السوق وعُدت بسرعة إلى مسكنك. توقفت على مسافة من ذلك
المسكن واختبأت وسط القصب وانتظرت لأرى ماذا ستفعل بعد ذلك
قال
الإمام وهو ينظر مرة إلى محماد ومرة إلى السوسي
إنها
لقصة عجيبةة حقًا
فقال محماد للسوسي
أتمم
نعم،
ثم بقيت مختبئًا أراقبك حتى غادرت مسكنكك وأتيت إلى المسجد. لم أرد أن ألتحق بك
حينها، لأنني كت أرغب في أن أعرف المزيد عنك. رأيتك تعود إلى مسكنك فقط لتأخذ
البغل وتذهب. فقررت البقاء في مخبئي حتى تعود. وأثناء غيابك، أخذت بغلي إلى مكان
أسفل الوادي، ثم صعدت والتمست طريقا عبر القصب، محاولًا ألا أترك أي آثار. ثم وقفت
بالقرب من مسكنك قدر استطاعتي؛ كان الباب مفتوحًا جزئيًا ويمكنني الرؤية من خلاله؛
ومرة أخرى اندهشت من مسكنكك كما كنت مندهشًا منك شخصيًا. وتساءلت مع نفسي: لماذا
اختار أن يعيش في هذا الكوخ الصغير؟ وتساءلتڢ: لماذا ذهب هذا الرجل إلى السوق
سيرًا على الأقدام بينما كان لديه بغل؟! قلت لنفسي: فإما أنه معتوه أو إنه عالمً و
عارف بما يصنع. لذلك قررت أن أنتظر وأرى، قائلاً لنفسي: إذا كان أحمقًا، فسأتركه
على الفور و أذهب لحالي؛ وإذا كان عالماً، فسأبقى معه يوماً أو يومين لأتعلم منه
شيئاً ثم أواصل طريقي
فسأله
الإمام بشيء من الفضول
إلى
أين كنت ذاهباً؟
قال محماد بلطف
دعه
يكمل قصته
نعم،
وانتظرت حتى عُدتَ في منتصف الليل. في ذلك الوقت كنت أرتجف من البرد، وكنت مرعوباً
من احتمال أن أتعرض للدغة عقرب أو ثعبان
كنت
على وشك أن ٱتيك في مسكنك في ذلك الوقت من الليل، إلا أنني تراجعت وقررت أن أنتظر
هناك إلى الصباح
هنا
صاح محماد صيحة مفكر و يفتح ذراعيه ليعانق السوسي. ثم وقفا و تصافحا. وقال محماد
كنتَ
تريدُ أن تعرف هل أنا أحمق أم عالِم، أليس كذلك؟ حسنًا، صدق أو لا تصدق، أنا نفسي
لا أعرف هل أنا أحمق أم عالِم. أنت من سيخبرني من أنا! لكن قل لي، إلى أين كنت
ذاهبًا؟
أنا طالبُ عِلمٍ. كنتٌ
أدرس في مدارسَ في فاس. وكنت عائدًا إلى بلدتي. أنا من سوس، كما قلت لك
رائع!
ما اسمك، يا أخي؟
اسمي
حسن تيكوين، وأنت؟
وأنا
محماد أمكون. مرحبًا بك، يا حسن! لكن يؤسفني أن أقول لك إنني قد لا أتمكن من
البقاء معك طوال اليوم. فأنا مرغم لتركك لبضع الوقت حتى أُدَرِّسَ صبيا في الصباح
ورجلا بالغا في فترة ما بعد الظهر
فقال حسن بلهفة
ماذا
تُعلِّمُ الصبي؟
أُعلِّمه
كيفية إجراء حسابات بسيطة
حسنًا!
اترك هذا لي! أنت وأنا سنبقى معًا في الصباح، أليس كذلك؟ وعندما تذهب بعد الظهر،
سأبقى أنا مع الولد. هل يناسبك ذلك؟
أجاب
محماد بابتسامة عريضة
دعنا
نذهب ونسأل الولد أولاً
وعندما
انطلقا، قال محماد
كم عمرك يا حسن؟
عمري
أربعة وعشرون عامًا
هل
أنت متزوج؟
لا
لماذا
لا؟
في
الحقيقة، كنت سأعود إلى المنزل لأتزوج وأبدأ حياتي كمعلم في إحدى المدارس القرآنية
القليلة القريبة من المنزل
من
ستكون زوجتك؟
لا
أعرف، حقًا. ستختار لي والدتي واحدة
متى
غادرت فاس؟
منذ
حوالي أربعة أشهر
كم
من الوقت بقيت هناك؟
بقيت
هناك لمدة أربع سنوات تقريبًا
ماذا
درست هناك؟
كل
شيء
مثل؟
حسنًا،
درست القرآن والحديث والتفسير واللغة العربية والتاريخ والحساب - كل شيء
رائع
وماذا
عنك؟ قال حسن مترددا
تنهد
محماد وقال
أنا
أيضًا كنت في فاس. ودرست أيضًا الأشياء التي ذكرتها
هل
أنت متزوج؟
لا
كم
عمرك؟
أنا
في التاسعة والثلاثين تقريبًا
هل
تزوجت في الماضي؟
لا
هل
كنت هنا لفترة طويلة؟
لا.
عدت منذ عشرة أيام فقط
من
فاس، تقصد؟
لا،
من مكان يسمى تماسنا، هل تعرفه؟
نعم،
لقد سمعت عنه
في الحقيقة، لم آتِ إلى هنا مباشرة. لقد
ذهبت إلى الجنوب إلى إغميزن، حيث قضيت أكثر من ستة أشهر. لقد غادرت إغميزن منذ
أكثر من شهرين بقليل. الآن، أخبرني يا حسن. لقد قلت إنك ستعود إلى المنزل للزواج
والتدريس. ماذا تريد أن تعلم؟
نفس
الأشياء التي تعلمتها
لماذا
توقفت هنا وتمنيت مقابلتي؟
أردت
أن أتعلم شيئًا منك
مثل؟
أي
شيء
وماذا
لو قلت إنني آسف ليس لدي أي شيء آخر لأعلمك إياه غير ما تعرفه بالفعل؟
ماذا
تعني؟
حسنًا،
ليس لدي كتب معي
ربما
ليس لديك كتب على الورق، لكن بالتأكيد لديك كتب في ذهنك، أليس كذلك؟ من المؤكد أنك
حفظت أشياء من الوقت الذي كنت فيه في فاس أو في أي مكان آخر، أليس كذلك؟
نعم،
لدي. لكن المشكلة أنني أكره تلاوة الكتب
ماذا
تقصد؟
ما
أقصده هو هذا: يمكنني مناقشتك، لكن لا يمكنني تعليمك
حسنًا!
دعنا نتناقش
ليس
قبل أن نسأل الصبي! مرحبًا، عيسى
تحدثا
إلى عيسى، وساروا عائدين نحو الكوخ. وتحدثا أثناء سيرهما
دعني
أسألك سؤالاً واحدًا، محماد. لماذا اخترت العيش في هذا الكوخ الصغير؟ ألا تنتمي
إلى هذه القرية؟
أنا
من القرية. عائلتي تعيش هناك
لماذا
تعيش في كوخ إذن؟
ضحك
محماد، ثم قال
قل
لي، حسن، عندما تذهب إلى النوم، وتغفو، وتبدأ في الحلم، هل تعرف أين تنام؟ لنفترض
أنك كنت تنام على سرير لطيف في غرفة لطيفة في ذلك المنزل الجميل هناك، ثم جاء شخص
ما وحرك سريرك، دون أن يوقظك، ووضعه برفق في كوخي، هل ستشعر بأي فرق قبل أن
تستيقظ؟
حسنًا،
لا أعتقد أنني سأشعر بذلك، قال حسن بابتسامة صغيرة. لكن المشكلة هي أنك لا تملك
سريرًا لطيفًا في كوخك، أليس كذلك؟
ضحك
محماد مرة أخرى، وأمسك بذراع حسن، وقال
دعنا
نتوقف قليلاً! انظر هنا: تخيل نفسك مغرمًا بفتاة شابة تعيش في ذلك المنزل هناك؛
تخيل أن الوقت الوحيد الذي يمكنك فيه رؤية حبيبتك هو بعد الفجر مباشرةً، ولكنك لا
تزال غير قادر على مقابلتها أو التحدث إليها أو حتى التلويح لها من مكان بعيد مثل
هذا؛ ماذا ستفعل؟
"من
المحتمل أن آتي قبل الفجر وأجلس في مكان ما حول هنا وأنتظر ظهورها
هل
ستحضر معك سريرًا أو كرسيًا بذراعين لطيفًا وتستقر بشكل مريح أثناء انتظارك؟
أوه،
لا! ضحك حسن
لنفترض
أنه كان عليك القيام بذلك - أعني، أن تأتي وتجلس هنا وتنتظر - كل يوم، كل أسبوع،
كل شهر - هل ستشتكي من ذلك؟
قد
أشتكي، لكن علي فقط أن أبتسم وأتحمل ذلك
من
أجل من ستتحمل كل هذا المعاناة؟
من
أجل حبيبتي، بالطبع
فماذا
لو اخترت أن أعيش في كوخ حقير وأن أنام على أرضية خشنة وأتحمل معاناتي بصبر من أجل
من خلقني؟
صمت
حسن لحظة، ثم انفجر
ولكن
لماذا تعاني وأنت تستطيع أن تكون أفضل حالاً؟
تنهد
محماد: كنت أتوق لرؤية عائلتي مرة أخرى، ومثلك، عدت إلى هنا على أمل الزواج من
امرأة من القرية. لم أكن أريد الزواج من امرأة لا تعرفها عائلتي، لأنني لم أكن
أريد أن أغضب والدتي. ولكن عند عودتي، كانت عائلتي غير سعيدة، لأنني لم يكن معي
مال. طلبت منهم مساعدتي في الزواج من امرأة شابة من القرية، لكنهم رفضوا بحجة أنني
لا أملك المال
نظر
حسن إلى محماد بفضول، ثم قال
إذن،
لماذا بقيت هنا؟ لماذا لم تذهب إلى مكان آخر حيث يمكنك الزواج؟ أعلم أن العديد من
الرجال تزوجوا على الرغم من أنهم لا يملكون المال؟
تنهد
محماد، ثم نظر إلى حسن وقال بابتسامة حزينة
أتمنى
لو أستطيع
ما
الذي يمنعك؟
تنهد
محماد مرة أخرى وقال
الحب
هل
أنت عاشِق؟
نعم
فغر
حسن فمه ثم صمت
النسخة الإنجليزية
YETTO
النسخة الفرنسية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire