محمد علي لكوادر المحمدية، المملكة المغربية

محمد علي لكوادر المحمدية، المملكة المغربية

dimanche 29 septembre 2024

الفصل السابع

الفصل    السابع

 

وبينما كان الحشد يبتعد، هرعت امرأة إلى مُحَمّادْ وقالت:
- مُحَمّادْ، نحن جائعون! الأطفال جائعون. نحن النساء نستطيع الانتظار، لكن الأطفال لا يستطيعون.
التفت مُحَمّادْ إلى إسماعيل وقال:
- إسماعيل، من فضلك اذهب بسرعة إلى هؤلاء الرجال وانظُر ماذا يُمكنهم أن يفعلوا حُيال هذا الأمر.
- حسنًا، يا معلم.
لم يَكُن إسماعيل وحده، بل ركض جميع الطلاب الأربعة الآخرين وسْعيد وراء الحشد. ألقى مُحَمّادْ نظرة على يطّو. كانت جالسة مع النساء. تقدَّم نحوها. التقت عيناها بعينيه، وقال بصوت مرتجف:
- يطّو، أتوقعُ منكِ أن تعْتني بالنساء وأطفالهن.
ابتسمت يطّو وقالت:
- حسنًا! أَحضِر لي أمي وسأَعتني بهم بكل ما أوتيتُ من قوة.
أثارت كلماتُها ضحك النساء من حولها. نظر إليها مُحَمّادْ بحنان، ثم نظر إلى النساء الأخريات وابتعد.
وبينما كان يقف على حافة القصب ويُجيلُ نظرَه على الضفة الجنوبية، بدأ قلبُه يخفق مرة أخرى. فقد رأى المزيد من الناس يأتون من أماكن أخرى غير أزلو، وتساءل عما يجب أن يفعله بهم. تحول نظره إلى القوارب القادمة في اتجاهه: كانت تحمل المزيد من النساء والأطفال.
 
وبحلولِ غُروب الشمس في اليوم التالي، كانت جميعُ نساء أزلو وأطفالها على الجانب الشمالي من الوادي، بينما استمرَّ الرجال في إجلاء النساء والأطفال القادمين من القرى المجاورة.
 
وبَعد ثلاثة أيام، كانَ كُل ما يُمكن نقلُه من أزلو على الضفة الشمالية. فقد نُقِلَ النساء والأطفال وكبار السِّن إلى مكان آمنٍ بعيدًا عن الضفة. وساعد رجال أزلو وفتيانُها والطلابُ الناسَ النازحين من القرى الأخرى.
 
ثم أَمر مُحَمّادْ بسحب جميع القوارب من الوادي باستثناء قارب ٍواحدٍ. ثم أشار إلى حسن لإشعال النار في القصب على الضفة الجنوبية. كانت النار مُستعِرة عبر القصب عندما صاح مُحَمّادْ: يا حسن! إنهم قادمون! آيت ميمون قادمون! اخرج من هناك! أسرِع!
شَقَّ حسن طريقه عبر القصب المُشتعل وسار وهو يتعثَّر حتى وصل إلى القارب الوحيد المُتَبقي وقفز إلى داخله وجذَّف باتجاه مُحَمّادْ، الذي بقِيَ يُشجعه حتى وضع قدمه على الصخرة الصلبة، ثم سار الاثنان على طول الطريق الفارغ. قال حسن وهو يلهث:
- ماذا سنفعل بالأشخاص الآخرين الذين ما زالوا هناك؟
-لا شيء. كان الله في عونِهم!
رأى إسماعيل مُحَمّادْ وحسن وهرع إليهما. نظر إلى وجهِ حسن، المُسْوَدِّ بالدُّخان، وإلى جلبابه، الذي كان مليئًا بالثقوب. ابتسم مُحَمّادْ، ثم قال بِجدية القائد:
- اسمعوا، أيها الإخوة! كنتُ أتمنى أن نتمكن من مُساعَدة الجميع. ولكن نظرًا لِلوضع الذي نحن فيه الآن، يجب أن نتصرف بحكمة. لم يكن لدينا من خيارٍ سوى أن نحرِق كل القصب على الضفة الأخرى. ولِنفس السبب أمرتُكم بِسَحب كل القوارب العائمة وتحطيمها على الفور. الآن أتوقع منكم أن تُقنعوا الناس هناك. أخبروهم أننا لن نخذل أهليهم وأحباءَهم. سنُقاتل من أجلهم!
بينما تحرك إسماعيل وحسن كل منهما في اتجاه مُختلف، ركض مُحَمّادْ نحو الناس الذين جاءوا للاحتجاج على ما يحدث لأراضيهم. ولَمّآ تجمعوا حوله، قال:
- أَرأَيتُم الآن؟ هؤلاء آيت ميمون احتلوا قريتنا! إذا لم نطردهم، فسوف ينتظرون حتى يهدأَ الوادي أو يَجِف قليلا ثم يندفعون إلى هذا الجانب ويغزونكم أنتم أيضًا! نحن وإياكُم في نفس القارب! عليكم أن تَنضموا إلينا لِقتالهم. أَخبِروا كلَّ الناس من حولكم بالاستعداد للحرب! إذا كنتم لا تريدون القتال، فما عليكم سوى مساعدتنا وسنقاتل عِوَضاً عنكم! فقط زَوِّدونا بالأسلحة والخيول وأطعِموا نسائنا وأطفالنا!
في تلك اللحظة، اندفع رجال أزلو أيضًا نحو مُحَمّادْ، وقام أحدهم وسط الحشد وقال:
- هل نحن آمنون الآن؟
قال مُحَمّادْ وهو ينظر يميناً ويساراً:
- هذا ما كنت أشرحه لهؤلاء الرجال! نحن لسْنا آمنين بَعدُ. علينا أن نقاتِل. وإلا فلن ترحل آيت ميمون عنا. وحتى لو ذهبوا هذه المرة، فقد يعودون مرة أخرى وينتزعون مِنا أراضينا. لذا، يَتعين علينا أن نقاتلهم. يتعين علينا أن نعطيهم درسًا! لذا، أخرِجوا نساءكم وأطفالكم من هنا. ثم حاوِلوا تحشيد كل القرى التي يمكنكم التحدث إليها. نحن جميعًا في نفس القارب. آيت ميمون يُشَكلون تهديدًا لنا جميعًا! لذا يتعين علينا جميعًا أن نَتَّحد ونطردَهم!
قال أحد الرجال: ولكن كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟
لم ينتظر مُحَمّادْ لِيُجيبَه. لقد اندفع بِمرفَقَيه عبر الحشد وركض نحو النساء. وقف بالقرب من يطّو وقال: لقد جاء آيت ميمون. لن نسمح لهم بالعبور إلينا. لِذا حافظي على هدوئِك ولا تخافي!
ثم نظر إلى يطّو، التي كانت جالسةً بين أُمها وأمه هو، وركض عائداً نحو حافة القصب.
 
وقف على رُبوةٍ، ومن خلال النيران والدخان، كان بإمكانه رُؤية أزلو وقد امتلأت بقوات آيت ميمون. بَدا الأمر وكأن جيشًا من الجراد الجائع هبط فجأة على أزلو. تنهد مُحَمّادْ وقال: مسكينة أزلو!
ومع حلول المساء، وقف مُحَمّادْ وسط بحرٍ من الوجوه القلقة، على بُعدِ ميلين أو يزيد من الضفة الشمالية لوادي إيگري، وقال:
- الآن، اسمَعوني جيداً! أنتم هنا جميعاً رجالٌ. أما النساء والأطفال والشيوخ فَهُم في مأمن من الخطر. وهم في مأمنٍ ما دُمنا نحن الرجال في مَأمن. ونحن في مأمن ما دامت آيت ميمون لا تستطيع العبور إلينا. لقد أحرقنا القصب من جانبهم حتى لا يتمكنوا من صنع قوارب للعبور إلينا قبل أن نستعد لهم. واحتفظنا بمعظم القصب من جانبنا حتى يتمكن حراسنا من الاختباء ومراقبة العدو. وأيضاً حتى نتمكن من إعدادِ مفاجأة لهم. وهنا، في هذا المكان بالذات، سنحفر خندقاً. سنحفره ليلاً حتى نتمَكنَّ من إجراء تمريناتنا العسكرية وأخذ قسط من الراحة نهاراً.
لايَنبغي أن تعرِفَ آيت ميمون شيئًا عن هذا الخندق. لذا سنضع سِتارة من القصب للتَّمويه على طول هذا السياج، وسنقوم بحَفر الخندق من خلالها، والذي لن يكون طويلاً على أي حال. ستُخفي ستارةُ القصب الرجالَ أثناء العمل في الخندق. وكما قلتُ، سيكون الخندق هنا في المنتصف، حتى نتمكن من التحرك بحرية حوله. إسماعيل يعرف كل التفاصيل وسيُشرِف بنفسه على كل شيء.
أرى أنكم حشد كبير. هذا أمر جيد. لكن آيت ميمون جاءوا بالآلاف! نحن بحاجة إلى المزيد من الرجال؛ نحن بحاجة إلى المزيد من الخيول؛ نحن بحاجة إلى المزيد من السيوف والدروع والرماح؛ نحن بحاجة إلى المزيد من المال.
لكن قبل كل شيء، نحن بحاجة إلى عون الله ليرفع عنا هذا البلاء. لِذا أرجو منكم الدعاء والتضرع إلى الله ليلًا ونهارًا! ثِقوا بالله رَبِّكم وسوف يقودكم إلى النصر، إن شاء الله!
فَتعالت صيحاتُ "الله أكبر!" وتبِع ذلك هتافات "الله خلقني، الله رزقني...."
 
بعد أسبوع، بدأ المتطوعون من كل أنحاء الضفة الشمالية وما وراءها في التدفق على المُعسكر. وفي كل يوم كان مُحَمّادْ يرى المزيد من الوجوه والمزيد من الخيول والمزيد من السيوف. وفي كل يوم كان يرى الخندق يزداد عمقًا وطولاً. وفي كل يوم كان يسمع المزيد من "الله خلقني، الله رزقني...."
 
لكن قلبه كان هناك، خلف فُسطاطِه - هناك، حيث تُقيم يطّو مع النساء.
 
لقد نُصِب فسطاطُه، وهي خيمة برتقالية كبيرة، في منتصف الطريق بين الخندق ومُخَيم النساء. ولكن الآن وبعد أن حصل على حِصان - تمامًا مثل الطلاب الستة الذين جعلهم ملازمين له - أصبح بإمكانه الاقتراب من مُخَيم النساء كلما رغب في ذلك.
 
وفي أحد الأيام سار على حِصانه إلى مُخَيم النساء ونادى على يطّو. فجائته يطّو مبتسمة وقالت:
- هل من مُشكلة يا مُحَمّادْ؟
- يطّو، أعتقد أن الحرب على وشك أن تندَلع. كما تعلمين، فقد هدَأ الوادي، وبالتالي، في أي وقت الآن، يمكن لآيت ميمون أن يُحركوا خيولهم باتجاهنا. سأقود قواتنا، وقد أموت في المعركة. لذا أتيتُ فقط لأقولَ لك وداعًا في حالة عدم لقائنا مرة أخرى. الآن يُمكنك العودة إلى مكانك.
كشفت يطّو عن وجهها. فتحت شفتَيها وكأنها تريد أن تقول شيئًا، لكنها أغمضت عينيها ودفنت وجهها بين يديها. في تلك اللحظة بدأت الدموع تسيل من عينَي مُحَمّادْ، لذلك استدار وركب عائداً إلى فُسطاطه.
 
انضمَّ إليه مُلازِموه السِّتة بعد فترة وجيزة. جلسوا في نِصف دائرة أمامَه ونظروا إليه وهو ينشر خريطة. ثم قال:
- الآن، استمِعوا، من فضلكم! انظروا! ستقِف هاتان الكَتيبَتان واحدةٌ خلفَ الأخرى هنا، إلى اليمين. سيقود الأولى حسن، والثانية موسى. وستقف هاتان الكَتيبَتان إلى اليسار. سيقود الأمامِية حْمادْ، والأخرى امْحَمَّدْ. وستقف هذه الكَتيبَة هنا بين الفُسطاط والخندق، وسيقودها إسماعيل. وستقفُ هذه الكَتيبَةُ الأخيرة، وهي الأكبر، خلفَنا: بين الفسطاط ومُخَيم النساء، وسيقودها عَبَّادْ.
الآن، هذا ما سنفعله....
في تلك اللحظة اقتحم سْعيد الفسطاط، وقال: سيدي، يطّو بالخارج! إنها تطلب رؤيتك.
نهض مُحَمّادْ واندفع خارجًا، وقال:
- ما الأمر؟
- لقد تَوَسَّلَتِ النساءُ - كل النساء - إليّ أن آتي إليك. إنهن يَقُلْنَ لكَ من فضلك لا تُقاتِل! لا يُمكننا أن نتحمَّل خَسارتَك. (ألقتْ نظرةً على المُلازِمين، الذين اندفعوا واصطفّوا خلف مُحَمّادْ، ثم تابعت:) من فضلك دَعْ شخصًا آخر يَقود القوات وابْقَ أنت قريبًا منا قدر الإمكان! أتوسل إليك!
استدار مُحَمّادْ نحو ملازميه، الذين ظلوا صامتين، ثم نظر إلى يطّو، وقال: الآن عودي إلى المُخَيم! سنَحُل هذا الأمر فيما بيننا، وسأُعْلِمُكِ بقرارنا. ومن فضلك لا تأتي إلى هنا مرة أخرى! الآن اركَبي!
واندفع إلى الأمام لمُساعَدتها على ركوب الحصان الذي جاءت عليه. وبينما كانت تبتعد، استدار نحو ملازميه وقال: الآن أنا في مأزقٍ حقيقي.
 
وفي تلك الليلة، استطلع مُحَمّادْ كل الأرض التي كانت ستتَحوَّل قريبًا إلى ساحة معركة. فذهب حتى حافة القصب، وتفقَّد الخندق، ودار حول مُخَيم النساء، ثم عاد إلى الفسطاط واستدعى الملازمين. فلما حضروا أوقفهم في الريح الباردة عند مَدخل الفسطاط وسألهم عن آخر الأخبار. ثم قال:
- الآن عُودوا إلى كَتائبِكم! أما أنت يا عَبَّادْ، فالتزِم الهدوء ولا تفعل أي شيء حتى إشعار آخر. أما أنتم الخمسة، فقد حان وقتُ تَحرُّكِكم. ابدأوا الآن في محاكاة الهجمات، ولكن لا تُطلقوا سَهما واحداً في اتجاههم! أزعجوهم! وَتِّروا أعصابهم! استفِزوهم لِيعبُروا إلى جانبنا! وإذا بدأوا في العبور إلى جانبنا، فتراجعوا أنتم خلف خطِّ الخندق ودَعوا العدوَّ يَتقدم، ثم هاجِموه! حاصروا العدُوَّ من اليمين واليسار! أحرقوا القصب المُتَبقي خلفهم! وادفعوهم دفعاً إلى الخندق!
اسمحوا لي أن أذكركم مرة أخرى بأن الكَتيبَة السادسة يجب ألا تتحرك حتى إشعار آخر. انتبهوا لما أقول! لا تسمحوا لأحد بتجاوز حافة القصب دون إذني! الآن اذهبوا باسم الله!
 
انطلق الملازمون حيث أمرهم مُحَمّادْ. ودخل هو إلى الفسطاط واستلقى على جنبه وحاول النوم. لكن صوتَ يطّو جاء لِيُزعِجَه، لا لِيُسَلِّيَّه... فبقيَ يَحلم بها حتى وقت متأخر من الليل.
 
كان الفجرُ قد بَزَغَ للتَّو عندما أوقِظَ مُحَمّادْ من نومه على عَجَلٍ. كان سْعيد يقولُ بصوت مذعور: آيت ميمون يعبرون إلينا!
فرد مُحَمّادْ وهو ينهض على قدميه:
- اهدأْ! اذهب إلى مُخَيم النساء وقُل لأختك أن تبقى حيث هي وأن تحافظ على هدوئها!
- حسنًا، سيدي.
طار سْعيد نحو المُخَيم. وغادر مُحَمّادْ الفسطاط وفكَّ قيدَ حصانِه وقفَز على السَّرج وركب إلى حيث أَمكَنه أن يُنادي إسماعيل. أمره بالتراجع من أجل إغراء العدو واستدراجه إلى الخندق. ثم هرع إلى حسن وذَكَّره بما يجب عليه فعله، تم ذهبَ لإطلاعِ حْمادْ، وابتعد عن خط المواجهة.
 

النسخة   الإنجليزية

YETTO  




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire